هل سيدنا محمد من نسل إسماعيل عليه السلام؟

ثبت في الصحيح أنّ نسب النبي -صلى الله عليه وسلم- يعود إلى النبي إسماعيل -عليه السلام-؛ فيكون سيدنا محمد من نسل، وولد إسماعيل -صلوات الله عليهما-؛ ففي صحيح مسلم ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: (إنَّ اللَّهَ اصْطَفَى كِنانَةَ مِن ولَدِ إسْماعِيلَ، واصْطَفَى قُرَيْشًا مِن كِنانَةَ، واصْطَفَى مِن قُرَيْشٍ بَنِي هاشِمٍ، واصْطَفانِي مِن بَنِي هاشِمٍ).[١][٢]


وإن كانت الأسماء التي في نسب النبي -صلى الله عليه وسلم- من بعد جدّه عدنان إلى النبي إسماعيل -عليه السلام-؛ مختلف في دقتها، فمن أهل العلم من ضعّفها، ومنهم من شكك في ثبوتها؛ إلا أنّه لا خلاف في صحّة انتساب النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- إلى النبي إسماعيل -عليه السلام-.[٢]


شبهة إنكار نسب سيدنا محمد لإسماعيل عليه السلام

ينكر بعض المغرضين والمغالطين في صحّة نسب النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى سيدنا إسماعيل -عليه السلام-، ويشككون في زواج سيدنا إسماعيل -عليه السلام- من قبيلة جرهم العربيّة؛ وفيما يأتي ذكر بعض استدلالات هؤلاء المغالطين على شبهتهم هذه، مع الردّ على كلٍ منها:


استدلالهم بعدم وجود علاقة بين النبي إسماعيل والعرب

زعم هؤلاء المشككون بأنّ العرب لمّا كانوا في شبه الجزيرة العربيّة، كان إسماعيل -عليه السلام- في بلاد فاران؛ بين مصر وبلاد ثمود؛ وهذا حسب مرويات أهل الكتاب، ويُرّد على هذا بأنّ من المثبت تاريخياً سكن إسماعيل وأمه هاجر -عليهما السلام- في مكة المكرمة منذ الصغر، وقد بقي فيها حتى شبّ وتزوّج من قبيلة جرهم؛ فصار أباً للعرب -عليه السلام-.[٣]


قال -تعالى- على لسان الخليل إبراهيم؛ قاصداً ابنه إسماعيل وزوجته أم إسماعيل -عليهم السلام جميعاً-: (رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ).[٤][٥]


أمّا ما رُوي عن بعض أهل الكتاب من سكن إسماعيل -عليه السلام- بلاد فاران فباطل، ويُعارض صحيح الكتاب -كما أشرنا- والسنة النبويّة؛ حيث جاء في قصّة إسماعيل -عليه السلام- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (... حتَّى مَرَّتْ بهِمْ رُفْقَةٌ مِن جُرْهُمَ -أَوْ أَهْلُ بَيْتٍ مِن جُرْهُمَ-... وشَبَّ الغُلَامُ وتَعَلَّمَ العَرَبِيَّةَ منهمْ، وأَنْفَسَهُمْ وأَعْجَبَهُمْ حِينَ شَبَّ، فَلَمَّا أَدْرَكَ زَوَّجُوهُ امْرَأَةً منهمْ...).[٦][٧]


استدلالهم أن سيدنا إسماعيل كان عبداً ابن أمة

كانت العرب تأنف من زواج العبد بالحرّة؛ وعلى اعتبار أنّ إسماعيل -عليه السلام- كان عبداً لأنّ أمّه هاجر كانت أمة لسارة أم إسحاق -عليه السلام-؛ لذا شكك هؤلاء القوم بصحّة زواج إسماعيل من قبيل جرّهم العربيّة؛ ويردّ على ذلك بأنّ الأمة إذا تزوّجت حرّاً وأنجبت منه، كان ابنها حرّاً لا عبداً؛ هذا إن سلّمنا لصحّة القول بأنّ السيدة هاجر -عليها السلام- كانت أمة؛ وعليه فإنّ إسماعيل -عليه السلام- حرّ ابن حرّ.[٣]


استدلالهم بقوله تعالى: (مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ)

قال -تعالى- في مخاطبة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-: (وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَـٰكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)؛[٨] فحجّة الطاعنين أنّ الآية تبيّن أنّ العرب لم يكن لهم نذير من قبل سيدنا محمد؛ فينفي هذا عربيّة إسماعيل -عليه السلام-، ويردّ على هذا بأنّ المقصود بالقوم قريش القبيلة القريبة من النبي -صلى الله عليه وسلم- لا كلّ العرب.[٩]


وفي هذا يقول ابن عاشور: "... وَالْقَوْمُ: قُرَيْشٌ وَالْعَرَبُ، فَهُمُ الْمُخَاطِبُونَ ابْتِدَاءً بِالدِّينِ وَكُلُّهُمْ لَمْ يَأْتِهِمْ نَذِيرٌ قَبْلَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَّا إِبْرَاهِيمُ وَإِسْمَاعِيلُ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ فَكَانَا نَذِيرَيْنِ حِينَ لَمْ تَكُنْ قَبِيلَةُ قُرَيْشٍ مَوْجُودَةً يَوْمَئِذَ وَلَا قَبَائِلُ الْعَرَبِ الْعَدْنَانِيَّةُ...".[١٠]

المراجع

  1. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن واثلة بن الأسقع الليثي أبو فسيلة، الصفحة أو الرقم:2276، صحيح.
  2. ^ أ ب أبو أسماء محمد بن طه، الأغصان الندية شرح الخلاصة البهية بترتيب أحداث السيرة النبوية، صفحة 21-22. بتصرّف.
  3. ^ أ ب "إنكار انتساب النبي صلى الله عليه وسلم لإسماعيل عليه السلام"، بيان الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 5/6/2023. بتصرّف.
  4. سورة إبراهيم، آية:37
  5. أبو حفص النسفي، التيسير في التفسير، صفحة 145، جزء 9. بتصرّف.
  6. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:3364، صحيح.
  7. محمد أبو شهبة، السيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة، صفحة 111-112، جزء 1. بتصرّف.
  8. سورة القصص، آية:46
  9. ابن عاشور، التحرير والتنوير، صفحة 134، جزء 20. بتصرّف.
  10. ابن عاشور، التحرير والتنوير، صفحة 134، جزء 20.