النبي الذي أعطاه آدم من عمره

صحّ في السنة النبويّة أنّ النبي الذي أعطاه سيدنا آدم من عمره هو سيدنا داود -عليهما السلام-، وذلك لمّا عرض الله -سبحانه- على آدم -عليه السلام- ذريته التي مسحها من ظهره، حيث رأى آدم -عليه السلام- من بين الخلق رجلاً يضيء نوراً؛ فسأل سيدنا آدم -عليه السلام- ربّه قائلاً: (أَيْ ربِّ مَن هذا؟)، فأخبره الله -تعالى- أنّه داود -عليه السلام-، فسأله آدم -عليه السلام- عن عمره الذي قدّره له؛ فقال -سبحانه-: (ستونَ عامًا).[١][٢]


حينها طلب سيدنا آدم -عليه السلام- من الله -سبحانه- أن يزيد في عمره؛ فقال -جل وعلا-: (لا، إلا أن أزيدَه من عمرِكَ، وكان عُمْرُ آدمَ ألفَ عامٍ فزادهُ -زاد داود- أربعين عامًا؛ فكتبَ اللهُ -عزَّ وجلَّ- عليه بذلك كتابًا، وأشهدَ عليه الملائكةَ)، ولمّا حضرت الوفاة سيدنا آدم -عليه السلام-، وجاءه ملك الموت في الوقت المُقدّر لأجله؛ قال سيدنا آدم -عليه السلام-: (إنّه قد بَقِيَ من عُمُري أربعونَ عامًا)، فقيل له: (إنّك قد وَهَبتَها لابنِك داودَ)، فردّ -عليه السلام-: (ما فعلتُ؛ وأبرزَ اللهُ -عزَّ وجلَّ- عليه الكتابَ وشهدتْ عليه الملائكةُ)،[١] فكان آدم -عليه السلام- أوّل من نسي، وقد اتبعته ذريته من بعده في ذلك.[٢]


ولهذا أمر الله -تعالى- في كتابه العزيز بكتابة الدّين حين قال -جلّ في علاه-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ۚ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ ۚ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ ۚ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا..)،[٣] إذ إنّ السبب في ذكر النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- هذه الرواية كان بعد نزول آية الدّين.[٢]


عمر آدم وداود عليهما السلام

يظهر مما تقدّم أنّ سيدنا آدم -عليه السلام- وهب من عمره المُقدّر له لسيدنا داود -عليه السلام- أربعين عاماً؛ وقد كان عمر سيدنا آدم -عليه السلام- قبل أن يهب لداود ألف عام؛ ففي الحديث: (.. قال -سبحانه-: لا، إلَّا أنْ أزيدَه من عمُرِكَ، وكان عمرُ آدَمَ ألفَ عامٍ، فزاده أربعينَ عامًا..)،[١] أمّا في عمر داود -عليه السلام- فتبيّنها الرواية أنّها مئة عام؛ ففي الحديث: (فأتمَّها لداودَ مائةَ سنةٍ).[١][٤] ولكنّ ورد في عمر آدم -عليه السلام- عند الوفاة روايات أخرى؛ قال بعض أهل العلم إنّها قد تُحمل على عمره الذي أمضاه آدم -عليه السلام- بعد الهبوط من الجنّة إلى الأرض -والله تعالى أعلم-.[٥]


نسيان آدم عليه السلام

قال -سبحانه وتعالى- في نسيان آدم -عليه السلام-: (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا)؛[٦] وقد اتفق أهل التفسير أن العهد الذي عهده الله -تعالى- إلى نبيّه آدم -عليه السلام- فنسيه هو الأكل من الشجرة، وأنّه -عليه السلام- لم يجد صبراً على النهي؛ وفي هذه الآية الكريمة نوع من أنواع العتاب الربانيّ على فعل آدم -عليه السلام-.[٧]


وقد تحدّث العلماء في مثل هذه المسائل فقالوا إنّ الأمور الجِبِليّة الفطريّة لا تنافي العصمة؛ مثل خوف موسى -عليه السلام- وغضبه، وخوف إبراهيم -عليه السلام- وتوجسه من ضيوفه، ونسيان آدم -عليه السلام-؛[٨] لأّنّ كل هذه الأمور من طبائع البشر التي لا أثر لها في الرسالة والتبليغ والتكليف.[٩]


وينبغي التنبيه أنّ الله -تعالى- قد خصّ آدم عليه السلام- بعدد من الخصائص التي زادته تشريفاً وتكريماً؛ بأن خلقه -سبحانه- بيده دون سائر بني آدم، ونفخ فيه من روحه، كما أسجد له الملائكة، وعلّمه الأسماء كلّها، فلا يجدر بأحد أن يقدح في عصمة نبي من الأنبياء، أو يتبادر في ذهنه ونفسه أنّه خير من أحدهم -عليهم السلام-؛ فقد ثبت عن خاتم الأنبياء والمرسلين -عليه الصلاة والسلام- في سدّ هذا الباب قوله: (ما يَنْبَغِي لأحَدٍ أنْ يَقُولَ أنا خَيْرٌ مِن يُونُسَ بنِ مَتَّى).[١٠][٧]

المراجع

  1. ^ أ ب ت ث رواه الإمام أحمد، في المسند، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم:2270، صححه الحاكم وقال على شرط مسلم.
  2. ^ أ ب ت أبو جعفر ابن جرير الطبري، تاريخ الطبري تاريخ الرسل والملوك، صفحة 156-157، جزء 1. بتصرّف.
  3. سورة البقرة، آية:282
  4. مجموعة من المؤلفين، فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 203، جزء 8. بتصرّف.
  5. ابن كثير، قصص الأنبياء، صفحة 69، جزء 1. بتصرّف.
  6. سورة طه، آية:115
  7. ^ أ ب صالح المغامسي، سلسلة محاسن التأويل، صفحة 2، جزء 56. بتصرّف.
  8. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة العقدية الدرر السنية، صفحة 37، جزء 4. بتصرّف.
  9. أبو البركات النسفي، تفسير النسفي مدارك التنزيل وحقائق التأويل، صفحة 386، جزء 2. بتصرّف.
  10. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم:4603، صحيح.