زوجة نوح عليه السلام

ذكر بعض المفسرين أنّ زوجة نوح -عليه السلام- كان اسمها والهة،[١] ذكرها الله -تعالى- في مجمل من سبق عليها القول بالعذاب والهلاك بقوله -سبحانه-: (حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ)،[٢] وقد أنجبت من نوح -عليه السلام- أربعة أبناء؛ وهم حام، وسام، ويافث، ويام، وقد قيل إنّها كانت ممن صعد على السفينة لكنّها كفرت بعد ذلك، وظاهر الآيات والروايات أنّها ممن غرقت في الطوفان مع قومها الكافرين، وقد كان ابنها يام من ضمنهم.[٣]


خيانة امرأة نوح عليه السلام

نصّ القرآن الكريم على خيانة امرأة نوح وامرأة لوط -عليهما السلام-؛ فقال -تعالى-: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ ۖ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ)،[٤] وينبغي التنبيه إلى أنّ الخيانة المذكورة في هذه الآية الكريمة تقصد خيانة الدين والدعوة، وليست خيانة الزوجية بالوقوع بالفاحشة؛ لأنّ نساء الأنبياء -عليهم السلام- معصومات من ذلك لحرمة أزواجهم الأنبياء،[٥] وقد روي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنّه قال: "مَا بَغَتِ امْرَأَةُ نَبِيٍّ قَطُّ".[٦]


أمّا امرأة نوح -عليه السلام- فكانت تفشي سرّ زوجها، فكلّما آمن معه أحد أخبرت رؤساء قومها من الكفرة المتجبرين، وأمّا امرأة لوط -عليه السلام- فكانت تخبر قومها بزوّار زوجها، وترضى بفعلهم القبيح من الميل إلى الذكران دون الإناث.[٥]


وقيل إنّ امرأة نوح -عليه السلام- كانت تخبر القوم بأنّه مجنون، كما اشتهرت بالنفاق والنميمة؛ فكانت تفشي ما أوحاه الله -تعالى- لنبيّه نوح -عليه السلام-، وتنقله إلى قومها، وكذلك الحال مع امرأة لوط -عليه السلام-، وجزاء ذلك أدخلهما الله -سبحانه- نار جهنّم، ولم يجعل صلتهما بالنبييّن -عليهما السلام- مع كرامته مانعاً من العذاب، لأنّ الجزاء من جنس العمل، ولأنّ العذاب يُدفع بالطاعة لا بالوسيلة.[٧]


ابتلاء الأنبياء عليهم السلام

إنّ أنبياء الله -تعالى- كانوا أشدّ الناس بلاءً، ولكنّهم مع ذلك كانوا أشدّهم صبراً وتحمّلاً واحتساباً، فقد ابتلي سيدنا نوح -عليه السلام- بكفر قومه، وعنادهم وتصميمهم على العصيان، واتهامهم له بالكذب والجنون، وكان أشق أنواع الابتلاءات عليه تكذيب ابنه، وكفر زوجته؛ حتى أنّه -عليه السلام- ظلّ يحاول النجاة بأهله إلا أنّهم استحبوا العمى والضلال على الهداية؛ فعندما قال لابنه: (يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ)،[٨] ردّ عليه: (قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ ۚ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ ۚ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ).[٩]


وفي ختام كل ذلك البلاء كانت العاقبة للمتقين؛ حيث استجاب الله -تعالى- دعوات نبيّه، وانتصر لأوليائه؛ فأهلك الكافرين، ولم يترك على الأرض إلا المؤمنين من ذرية نوح -عليه السلام-، وممّن حمل معه في سفينته، فكانت عاقبة كل هذا الصبر خيراً لمن آمن، وصدّق، وخشي العذاب الأليم.

المراجع

  1. القرطبي، شمس الدين، تفسير القرطبي الجامع لأحكام القرآن، صفحة 201، جزء 18. بتصرّف.
  2. سورة هود، آية:40
  3. ابن كثير، البداية والنهاية، صفحة 112، جزء 1. بتصرّف.
  4. سورة التحريم، آية:10
  5. ^ أ ب محمد بن سعيد القحطاني، الولاء والبراء في الإسلام، صفحة 154.
  6. أبو جعفر ابن جرير الطبري، تفسير الطبري جامع البيان، صفحة 429، جزء 12. بتصرّف.
  7. القرطبي، شمس الدين، تفسير القرطبي الجامع لأحكام القرآن، صفحة 202، جزء 18. بتصرّف.
  8. سورة هود، آية:42
  9. سورة هود، آية:43