خاتم سيدنا سليمان
رُوي في خاتم سيدنا سليمان -عليه السلام- قصص كثيرة، وروايات عديدة؛ وقد علّق العلماء على صحة كلٍ منها، وبيّنوا ما فيها من المطاعن والأخبار التي لا تليق بأنبياء الله -تعالى-، وفيما يأتي بيان بعض هذه الروايات:
نقش خاتم سيدنا سليمان
جاء في بعض الآثار الضعيفة جداً أنّ نقش خاتم سليمان -عليه السلام- كان مكتوباً عليه: (لا إلهَ إلَّا اللهُ محمدٌ رسولُ اللهِ)،[١][٢] وقيل: إنّ نقش خاتم سليمان -عليه السلام- كان خطوطاً، وأنّ الحسن بن علي -رضي الله عنهما- نقَش مثله،[٣]وكل هذه الروايات لم تصحّ؛ فمن أهل الحديث من أنكرها، ومنهم من حكم عليها بالكذب والوضع.
آخر الزمان وخاتم سيدنا سليمان
رُوي في حديث ضعيف جداً أنّ في آخر الزمان تخرج الدابة التي تكلّم الناس، ومعها خاتم سيدنا سليمان -عليه السلام-؛ ففي الحديث: (تخْرُجُ الدَّابَّةُ وَمَعَهَا خَاتَمُ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ، وَعَصَا مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ -عَلَيْهِمَا السَّلَامُ-؛ فَتَجْلُو وَجْهَ الْمُؤْمِنِ بِالْعَصَا، وَتَخْطِمُ أَنْفَ الْكَافِرِ بِالْخَاتِمِ، حَتَّى أَنَّ أَهْلَ الْحِوَاءِ لَيَجْتَمِعُونَ، فَيَقُولُ: هَذَا يَا مُؤْمِنُ، وَيَقُولُ هَذَا: يَا كَافِرُ).[٤][٥]
سرقة خاتم سيدنا سليمان
وهذه القصة من أكثر المرويات انتشاراً؛ حتى إذا ما ذكر خاتم سليمان -عليه السلام- ذكرت هذه القصة تباعاً، إذ جاء فيها أنّ سيدنا سليمان -عليه السلام- كان عنده خاتم يلبسه، وكان إذا دخل للطهارة أعطاه لزوجته، وذات مرّة دخل سليمان -عليه السلام- للطهارة وترك الخاتم عند زوجته؛ وقد تمثل لها الشيطان على شكل سيدنا سليمان -عليه السلام-، وطلب منها الخاتم فأعطته إياه، ولمّا خرج سيدنا سليمان طلب منها خاتمه؛ فأخبرته أنّها أعطته إياه، فعلم سليمان -عليه السلام- أنّ هذا من فعل الشيطان.[٦]
وبعدها جلس الشيطان على عرش سليمان -عليه السلام-، وتزوّج نسائه، وحكم مملكة سليمان مدّة من الزمان وسيدنا سليمان -عليه السلام- مُستنكر من الناس، لا يصدّقه أحد، حتى طار الشيطان في أحد الأيام ووقع منه الخاتم في البحر، وبينما كان سيدنا سليمان -عليه السلام- يصيد السمك وجد في جوف سمكة خاتم ملكه؛ فلمّا لبسه عاد إلى ملكه.[٦]
وكلّ هذه القصة باطلة لا تصحّ بوجه من الوجوه؛ وذلك لما يأتي:
- طعنها في عصمة النبوة؛ وقد ردّها عدد من المفسرين كالقرطبي، وابن كثير، والألوسي، والشنقيطي وغيرهم.[٧]
- أنّها مما تلقاه الصحابة والتابعين من بعدهم عن أهل الكتاب، وفيهم جماعة منكرون لنبوة سيدنا سليمان -عليه السلام- لذلك احتوت على أشدّ المنكرات.[٨]
- أنّ الشيطان لا يتمثل بصورة الأنبياء -عليهم السلام-، كما أنّ هذا الالتباس على أهل المملكة لا يصحّ؛ إذ كيف يشتبه عليهم الأمر بين سليمان -عليه السلام- وبين الشيطان المتمثل بصورته!.[٩]
كتب السحر وخاتم سيدنا سليمان
ذكر بعض المفسرين أنّ الجنّ لمّا علمت بموت سليمان -عليه السلام- عمدت إلى كتابة أعمال السحر، وكتبوا: "من كان يحب أن يبلغ كذا وكذا، فليفعل كذا وكذا"، حتى جمعوا أصناف السحر وجمعوها في كتاب؛ ثم ختموه بنقش خاتم سليمان -عليه السلام-، وكتبوا في عنوانه: "هذا ما كتب آصف بن برخيا الصديق للملك سليمان بن داود من ذخائر كنوز العلم"، وقد دفنوه تحت كرسي سليمان -عليه السلام-، وبعدها استخرجه جماعة من بني إسرائيل، وأحدثوا من الفساد ما أحدثوا؛ حتى قالوا إنّ سليمان -عليه السلام- لم يكن نبيّاً بل كان ساحراً، فأفشوا السحر وتعلّموه وعلّموه للناس.[١٠]
ولمّا ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- ما أُنزل عليه من الله -تعالى-، وذكر أنّ سليمان -عليه السلام- كان من المرسلين؛ تعّجبت اليهود وسخروا من ذلك؛ فنزل قوله -تعالى-: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ ۖ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ..).[١١] وقد علّق بعض المفسرين على أنّ الصحيح في هذه الآية الكريمة أنّها جاءت توبخ المشركين زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- من اليهود؛ حيث أنكروا ما جاءهم من الحق، وكذّبوا نبوة النبي وهم يعلمون أنّه على الهدى، ولكنّهم آثروا اتباع أسلافهم وآبائهم من عهد سليمان -عليه السلام-.[١٠]
مواضيع أخرى:
المراجع
- ↑ رواه ابن حبان، في المجروحين، عن جابر بن عبد الله ، الصفحة أو الرقم:401، منكر.
- ↑ جاسم الفهيد الدوسري، الروض البسام بترتيب وتخريج فوائد تمام، صفحة 260، جزء 4. بتصرّف.
- ↑ معمر بن راشد، الجامع، صفحة 396، جزء 10. بتصرّف.
- ↑ رواه ابن ماجه، في سنن ابن ماجه، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:4066، ضعفه الألباني وقال منكر.
- ↑ الروداني، محمد بن سليمان المغربي، جمع الفوائد من جامع الأصول ومجمع الزوائد، صفحة 180، جزء 3. بتصرّف.
- ^ أ ب صلاح الخالدي، القرآن ونقض مطاعن الرهبان، صفحة 484، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ حسين بن علي الحربي، قواعد الترجيح عند المفسرين دراسة نظرية تطبيقية، صفحة 307-308، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ ابن كثير، تفسير ابن كثير، صفحة 69، جزء 7. بتصرّف.
- ↑ القرطبي، شمس الدين، تفسير القرطبي الجامع لأحكام القرآن، صفحة 201-202، جزء 15. بتصرّف.
- ^ أ ب أبو جعفر ابن جرير الطبري، تفسير الطبري جامع البيان، صفحة 407-408، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية:102