مهنة سيدنا نوح عليه السلام

ذهب بعض أهل العلم من المفسّرين والباحثين إلى أنّ سيدنا نوح -عليه السلام- كان قد اشتغل في عدد من المهن؛ نبيّنها على النحو الآتي:


النجارة

استدل المفسرون على عمل سيدنا نوح -عليه السلام- بالنجارة بقوله -تعالى-: (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا ۚ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ* وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ ۚ قَالَ إِن تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ).[١][٢]


إذ إنّ لفظ الصنع يدلّ على الإيجاد من العدم؛ وهذا يعني أنّ سيدنا نوح -عليه السلام- صنع السفينة من أولها إلى آخرها، أيّ من الأخشاب والأشجار، ثم سوّاها ألواحاً لبناء السفينة، مما يعني أنّه كان عالماً بصناعة السفن، وبمهنة النجارة.[٢]


وقيل إنّ جبريل -عليه السلام- هو من علّمه كيفيّة صناعة السفينة بدلالة قوله -تعالى-: (... بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا...)؛[٣][٤] كما استدلوا بما جاء عن وهب بن منبه؛ أنّ عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- قال لرجل في مجلسه: (... ادْنُ منِّي فأُحدِّثَكَ عنِ الأنْبياءِ المَذْكورينَ في كِتابِ اللهِ، أُحدِّثُكَ عن آدَمَ أنَّه كان عَبدًا حرَّاثًا، وأُحدِّثُكَ عن نوحٍ أنَّه كانَ عَبدًا نجَّارًا...).[٥][٦]


رعي الغنم

اشتغل الأنبياء جميعهم -عليهم صلوات الله وسلام- بأعمال البشر ومهنهم قبل البعثة؛ ومن ذلك رعاية الأغنام؛ وقد دلّ على ذلك قول النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- لمّا سأله أصحابه: (... أَكُنْتَ تَرْعَى الغَنَمَ؟ قالَ: وهلْ مِن نَبِيٍّ إلَّا وقدْ رَعَاهَا؟!)،[٧] وفي رواية: (ما بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إلَّا رَعَى الغَنَمَ...).[٨][٩]


وقد علّق بعض أهل العلم على رعي الأنبياء والرسل -عليهم الصلاة والسلام- للأغنام؛ فقالوا:[١٠]

  • إنّ عمل الأنبياء جميعهم -عليهم السلام- بهذه المهنة كان أمراً مُقدّراً من الله -عز وجلّ-، وليس مجرد أمرٍ حصل اتفاقاً لجميع الأنبياء -عليهم السلام-.
  • هذه المهنة تشير إلى ضرورة إعداد النفوس وتربيتها؛ لذا اختارها الله -تعالى- من بين كل المهن لصفوة الخلق من الأنبياء والرسل الكرام.
  • رعي الغنم لم يكن من باب تعليم الدين أو التديّن؛ إنّما هو لاكتساب مهارات يحتاجها الأنبياء -عليهم السلام- في دعوتهم، وتعاملهم مع الناس؛ كالصبر والأناة، وحسن الرعاية، ونحوها من الأمور.
  • كان العمل في هذه المهنة في المراحل الأولى من حياة الأنبياء -عليهم السلام-؛ كما في قصة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقصة موسى -عليه السلام-؛ مما يؤكد على أهميّة هذه المراحل العمريّة في البناء والإعداد والتربيّة.
  • إنّ تأثر الأنبياء -عليهم السلام- بهذه المهنة يدلّ على أثر البيئة المحيطة -ماديّة أو معنويّة- في تشكيل شخصية الإنسان.


مقتضى بشريّة الأنبياء

عند النظر في أعمال الأنبياء -عليهم السلام- ومهنهم المختلفة؛ كالحدادة، والنجارة، ورعاية الأغنام ونحوها من المهن؛ التي يمتهنها جميع الناس، وليس فقط الأنبياء والرسل؛ فإنّ ذلك يعدّ خير دليل على بشريّة الأنبياء -عليهم السلام-؛ التي تقتضي التواضع، والسعي للكسب، ومجاراة الناس في أعمالهم.[١١]


كما ينفي عنهم كل ذلك اتصافهم ببعض الصفات الملائكيّة أو الإلهيّة؛ وفي هذا ردّ على كل من بالغ في مكانة نبي من الأنبياء، وأوصله الغلو إلى التقديس المطلق الذي لا يجب أن يكون إلا لله -تعالى-.[١١]

المراجع

  1. سورة هود، آية:37-38
  2. ^ أ ب الشعراوي، تفسير الشعراوي، صفحة 6460، جزء 11. بتصرّف.
  3. سورة هود، آية:37
  4. ابن عادل، اللباب في علوم الكتاب، صفحة 197، جزء 14. بتصرّف.
  5. رواه الحاكم، في المستدرك على الصحيحين، عن وهب بن منبه، الصفحة أو الرقم:4216، سكت عنه وقال في المقدمة رواته ثقات احتج بمثله الشيخان أو أحدهما.
  6. نجم الدين الغزي، حسن التنبه لما ورد في التشبه، صفحة 55، جزء 5. بتصرّف.
  7. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:3406، صحيح.
  8. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:2262، صحيح.
  9. عمر سليمان الأشقر، الرسل والرسالات، صفحة 76. بتصرّف.
  10. مجموعة من المؤلفين، مجلة البيان، صفحة 10، جزء 232. بتصرّف.
  11. ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، الموسوعة العقدية الدرر السنية، صفحة 16-17، جزء 4. بتصرّف.