إكرام الضيف

تحلّى الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- بأكمل الأخلاق وأنبلها ومنها إكرام الضيف، ويتحقّق إكرام الضيف والإحسان إليه بعدّة أمورٍ؛ من أبرزها: حُسن استقباله وعدم إظهار عدم الرغبة به، وإكرامه بالضيافة بتقديم الطعام والشراب له، والسعي في راحته، وتوديعه أيضاً بسرورٍ ومحبةٍ وودٍّ، وذلك ما دعا إليه النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، إذ ثبت في الصحيح عنه: (مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا، أوْ لِيصْمُتْ، ومَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جارَهُ، ومَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ)،[١] فبيّن الرسول -عليه السلام- أنّ إكرام الضيف ممّا يقتضيه الإيمان بالله، فمَن صدّق بالله سعى في نيل رضاه بأداء الخيرات التي منها إكرام الضيف.[٢]


النبي إبراهيم أول من أكرم الضيف من الأنبياء

إبراهيم -عليه السلام- أول من أكرم الضيف من الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-، وأورد الإمام المناويّ -رحمه الله- أنّ إبراهيم كان يسمّى أبا الضِيفان، وأضاف أنّه كان يفضّل الأكل مع الآخرين فكان يبحث ويطلب عمّن يأكل معه، إذ قال المناويّ: (كان يسمَّى أبا الضِّيفان، كان يمشي الميل والميلين في طلب مَن يتغدَّى معه، وفي الكشَّاف: كان لا يتغدَّى إلَّا مع ضيفٍ)، وثبت إكرام إبراهيم للضيوف في قول الله -تعالى-: (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ*إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ*فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ*فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ)،[٣] وفسّر مجاهد لفظ (مُكرَمين) بأنّ إبراهيم -عليه السلام- كان يخدم ضيوفه بنفسه، وقال الإمام الرازي: (أُكْرِموا إذ دخلوا، وهذا مِن شأن الكريم أن يُكْرِم ضيفه وقت الدُّخول، فإن قيل: بماذا أُكْرِموا؟ قلنا: ببشاشة الوجه أولاً، وبالإجلاس في أحسن المواضع وألطفها ثانياً، وتعجيل القِرَى ثالثاً، وبعد التَّكليف للضَّيف بالأكل والجلوس).[٤]


ضيف إبراهيم عليه السلام

أراد الله -سبحانه- مكافأة نبيّه إبراهيم -عليه السلام- لتنفيذه أوامر ربّه والاستسلام والخضوع لها دون تردّدٍ، فبشّره بولدٍ اسمه إسحاق من زوجته سارة لتقرّ به أعينهما ويكثر بسببه نسلهما، فكلّف الله -تعالى- الملائكة بتلك المهمّة، فبشّروه بإسحاق وولده يعقوب، قال -عزّ وجلّ-: (وَلَقَد جاءَت رُسُلُنا إِبراهيمَ بِالبُشرى قالوا سَلامًا قالَ سَلامٌ فَما لَبِثَ أَن جاءَ بِعِجلٍ حَنيذٍ*فَلَمّا رَأى أَيدِيَهُم لا تَصِلُ إِلَيهِ نَكِرَهُم وَأَوجَسَ مِنهُم خيفَةً قالوا لا تَخَف إِنّا أُرسِلنا إِلى قَومِ لوطٍ*وَامرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَت فَبَشَّرناها بِإِسحاقَ وَمِن وَراءِ إِسحاقَ يَعقوبَ*قالَت يا وَيلَتى أَأَلِدُ وَأَنا عَجوزٌ وَهـذا بَعلي شَيخًا إِنَّ هـذا لَشَيءٌ عَجيبٌ*قالوا أَتَعجَبينَ مِن أَمرِ اللَّـهِ رَحمَتُ اللَّـهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيكُم أَهلَ البَيتِ إِنَّهُ حَميدٌ مَجيدٌ)،[٥] فقد جاءت الملائكة إبراهيم على هيئة ضيوف فلم يعرفهم، وأكرمهم وقدّم لهم لحماً ليأكلوا منه ولم يعلم أنّهم ملائكة لا يأكلون، وخاف إبراهيم بعدما امتنعوا عن الأكل، فأخبروه بأنّهم ملائكةٌ أُرسلهم الله، وبشّروا زوجته سارة بولدها إسحاق وولد ولدها يعقوب.[٦]


المراجع

  1. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:47، صحيح.
  2. محمد عبد العزيز الخَوْلي، الأدب النبوي، صفحة 118-119. بتصرّف.
  3. سورة الذرايات، آية:24-27
  4. "نماذج مِن كرم الأنبياء والمرسلين عليهم السلام"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 17/8/2021. بتصرّف.
  5. سورة هود، آية:69-73
  6. "إن إبراهيم كان أمة - (9) ضيف إبراهيم، والبشرى بإسحاق"، طريق الإسلام، 2014/4/4، اطّلع عليه بتاريخ 17/8/2021. بتصرّف.