بعث الله -تعالى- الأنبياء والرسل -عليهم السّلام- إلى الأمم والأقوام؛ لهدايتهم إلى توحيد الله -تعالى-، وحتى يقيموا دين الله -تعالى- على الأرض، ويبثّوا مكارم الأخلاق ويرسّخوها في نفوس الناس، ويكونوا -عليهم السّلام- مبشّرين لمن آمن واستجاب بالأجر والثواب في الآخرة، ومنذرين للمستكبرين الحائدين عن الحقّ بالعقاب إن أصروا على الكفر، قال الله -تعالى-: (وَما نُرسِلُ المُرسَلينَ إِلّا مُبَشِّرينَ وَمُنذِرينَ فَمَن آمَنَ وَأَصلَحَ فَلا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يَحزَنونَ)،[١][٢] وقد مرّ الأنبياء والرسل في طريق دعوتهم بمواقف وأحداثٍ ذكرها القرآن الكريم، وتاليًا حديثٌ عن أحدها.


النبيّ الذي أمره الله بصنع السفينة

النبيّ الذي أمره الله -تعالى- بصنع السفينة هو نوح عليه السّلام، كما جاء في قول الله -تعالى- مخاطباً إياه: (وَاصنَعِ الفُلكَ بِأَعيُنِنا وَوَحيِنا)،[٣] ونوح -عليه السّلام- هو أوّل الرسل بعد آدم عليه السّلام،[٤] وأحد أولي العزم من الرسل، بعثه الله -تعالى- إلى كلّ من كان على الأرض في زمنه، وقد كانوا على التوحيد لقرونٍ بعد آدم، إلّا أنّهم اتخذوا بعد زمنٍ أصناماً سمّوها بأسماء رجالٍ صالحين كانوا فيهم، وهم: ودّ، وسواع ويغوث ويعوق ونسرًا، فبعث الله -تعالى- فيهم نوحاً -عليه السّلام- يدعوهم إلى الإيمان بالله وحده وترك عبادة الأصنام، وقد بذل نوحٌ -عليه السّلام- في سبيل الدعوة جهداً عظيماً، إلّا أنّه لم يؤمن معه إلا عددٌ قليلٌ من فقراء وضعفاء القوم، وأمّا البقيّة فكانت شديدة المعاندة والاستكبار، قال الله -تعالى- واصفاً حال نوحٍ في دعوته: (قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا*فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا*وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا*ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا*ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا).[٥][٦]


قصة صنع السفينة

أصرّ قوم نوحٍ على عبادة الأصنام كما جاء في قول الله -تعالى- على لسانهم: (وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا)،[٧] وأخذوا يسخرون من نوحٍ ودعوته ويتّهمونه بالضلال والجنون، وحذّرهم نوح -عليه السّلام- من عذابٍ يصيبهم في الدنيا والآخرة إن أصرّوا على الكفر، فكان ردّهم: (قالوا يا نوحُ قَد جادَلتَنا فَأَكثَرتَ جِدالَنا فَأتِنا بِما تَعِدُنا إِن كُنتَ مِنَ الصّادِقينَ)،[٨] فأخبر الله -تعالى- نوح -عليه السّلام- أنّه لن يؤمن من قومه إلّا القلة التي سبق أن آمنت، وأمره ببناء السفينة، وحين شرع ببنائها كان قومه يمرّون عليه ويسخرون منه؛ لأنّه يصنع السفينة على اليابسة حيث لا ماء، قال الله -تعالى-: (وَيَصنَعُ الفُلكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيهِ مَلَأٌ مِن قَومِهِ سَخِروا مِنهُ قالَ إِن تَسخَروا مِنّا فَإِنّا نَسخَرُ مِنكُم كَما تَسخَرونَ)،[٩] وأمر الله -تعالى- نوحاً أن يحمل على السفينة معه المؤمنين ومن كلّ جنسٍ من الحيوانات ذكر وأنثى، وفارت الأرض وتفجّرت منها عيون ماء وأخذ المطر ينزل من السماء بغزارةٍ، قال -تعالى-: (فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ*وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ)،[١٠] فأغرق قوم نوحٍ ونجا نوحٌ ومن معه بالسفينة برحمة الله -تعالى-.[٦][١١]


المراجع

  1. سورة الأنعام، آية:48
  2. مجموعة من المؤلفين، التعريف بالإسلام، صفحة 135. بتصرّف.
  3. سورة هود، آية:37
  4. ابن كثير، البداية والنهاية، صفحة 100-101.
  5. سورة نوح، آية:5-9
  6. ^ أ ب أحمد أحمد غلوش، دعوة الرسل عليهم السلام، صفحة 59-65. بتصرّف.
  7. سورة نوح، آية:23
  8. سورة هود، آية:32
  9. سورة هود، آية:38
  10. سورة القمر، آية:11-12
  11. عبد الرحمن السعدي، تفسير السعدي، صفحة 550. بتصرّف.