خلق الزهد

الزُّهد أحد الأخلاق الحميدة التي حثّ الإسلام عليها، ويأتي في اللغة بمعنى الترك والإعراض؛ فزَهَدَ في الشيء أعرض عنه وتركه مخافة الحساب أو لقلّته واحتقاره أو التحرّج منه،[١] وأمّا في الاصطلاح الشرعيّ فعرّفه العلماء بتعريفاتٍ كثيرةٍ منها ما عرّفه به ابن تيمية بأنّه: ترك الرّغبة فيما لا نفع منه في الدّار الآخرة؛ أي فضول المباحات التي لا يُستعان بها على طاعة الله -تعالى-، وقال ابن القيم في خُلق الزُّهد: إنّه سفر القلب من وطن الدّنيا، وأخذه في منازل الآخرة؛ وحاصل معنى الزُّهد في اللغة والاصطلاح يدلّل على ترك التّعلّق بالدنيا والإغراق في مباهجها وجعل تعلّق وانشغال القلب بالآخرة.[٢]


زهد النبي عليه السلام

إنّ الشواهد الدّالة على تخلّق النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- بخلق الزهد كثيرةٌ، وكيف أنّه كان معرضاً عن الدنيا مرتقباً لأجر الآخرة، بل إنّ زهده -عليه الصّلاة والسّلام- من دلائل صدق نبوّته؛ إذ لو كان مدّعياً للنبوة لاستغلّ دعوى النبوّة بجلب مكاسب الدنيا والإكثار من تحصيلها لكنّه كان زاهداً فيها، وكان هذا حاله وحال سائر الأنبياء -عليهم السّلام- الذين كانوا يقولون لأقوامهم كما جاء في قوله -تعالى-: (وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ).[٣][٤]


ومن المواقف الشاهدة على زهده -عليه الصّلاة والسّلام-؛ أنّه كانت تمرّ عليه أيّامٌ طاويًا من الجوع هو وأهل بيته، ومن ذلك ما روته أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: (ما شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، مِن خُبْزِ بُرٍّ فَوْقَ ثَلَاثٍ)،[٥] ومن الصحابة من روى أنّه -عليه الصّلاة والسّلام- كان يُرى في أيّامٍ يتلوّى من الجوع ولا يجد في بيته حتى أردى أنواع التمر ليأكله؛ كما روى عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه- قوله: (لقَدْ رَأَيْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يَظَلُّ اليومَ يَلْتَوِي، ما يَجِدُ دَقَلًا يَمْلأُ به بَطْنَهُ)،[٦] والدقل هو الرديء من التمر.[٤]


وممّا يدلّل على زهده -عليه الصّلاة والسّلام- بساطة أثاث بيته؛ فقد كانت وسادته من الجلد المدبوغ المحشو بالليف، وأمّا فراشه فكان يفترش الحصير ويضطجع عليه حتى يترك الحصير أثره على جنبه -عليه الصّلاة والسّلام-؛ فقد كان عامّة شأن النبيّ -عليه الصلاة والسّلام- وحاله الزهد في الدنيا والتخفّف من متاعها، وكذلك كان خاصّةُ أصحابه أبي بكرٍ الصدّيق وعمر بن الخطّاب -رضي الله عنهما-.[٤][٧]


أخلاق النبيّ عليه السّلام

امتدح الله -تعالى- النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- بحسن أخلاقه فقال فيه: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)،[٨] وقد عُرف -عليه الصّلاة والسّلام- بحسن خُلقه منذ نشأته، حتى شهدت له قريش بذلك؛ فعرف بينهم بالصادق الأمين، وحين نزل الوحي أوّل مرّةٍ عليه وهو في غار حراء، وعاد إلى زوجته خديجة -رضي الله عنها- خائفاً، طمأنته بما عُهد عنه وعُرف به من الأخلاق والخصال الحميدة التي لن يضيّعه الله -تعالى- أو يخزيه وهو متخلّقٌ بكلّ تلك الأخلاق والخصال؛ فقالت له: (كَلّا واللَّهِ ما يُخْزِيكَ اللَّهُ أبَدًا، إنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وتَحْمِلُ الكَلَّ، وتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وتَقْرِي الضَّيْفَ، وتُعِينُ علَى نَوائِبِ الحَقِّ).[٩][١٠]


المراجع

  1. "تعريف وشرح ومعنى زهد"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 26/08/2021. بتصرّف.
  2. مجموعة من المؤلفين، نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم، صفحة 2218-2219. بتصرّف.
  3. سورة الشعراء، آية:109
  4. ^ أ ب ت منقذ السقار، دلائل النبوة، صفحة 134-138. بتصرّف.
  5. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:2970، صحيح.
  6. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم:2978، صحيح.
  7. محمد صالح المنجد، سلسلة القصص، صفحة 6. بتصرّف.
  8. سورة القلم، آية:4
  9. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمني، الصفحة أو الرقم:3، صحيح.
  10. عبد المحسن العباد، من أخلاق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، صفحة 39-42. بتصرّف.