كان من عادة أشراف العرب في الجاهليّة دفع أطفالهم الرّضع إلى مرضعاتٍ في البوادي؛ أقوى وأصحّ بنيةً وأفصح لساناً، ومنهم من كان يمكث في البادية حتّى سنّ الثامنة أو العاشرة وقد أُرسل النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- كغيره من المواليد مع مرضعةٍ من البادية، وكان قد رضع من أمّه أيّامًا ثمّ من ثويبةً قبل ذهابه إلى البادية.[١]


ثويبة أول مرضعة للنبي

رضع النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- من أمّه آمنة بنت وهبٍ ثلاثةً أيّامٍ، وقيل سبعة وقيل تسعة، ثمّ كانت أول مَن أرضعته من المرضعات ثويبة بلبن ابنها مسروح، وقد كانت ثويبة جاريةً عند عمّ النبيّ أبي لهب، وفي أصحّ الروايات أنّ أبا لهبٍ أعتق ثويبة حين بشّرته بمولد النبي -عليه الصّلاة والسّلام-، وكانت قد أرضعت قبله حمزة بن عبد المطلب عمّ النبيّ وأرضعت بعده كذلك ابن عمّته أبا سلمة المخزوميّ، ومن ذلك ما جاء في صحيح البخاري عن النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- قوله: (أرْضَعَتْنِي وأَبَا سَلَمَةَ ثُوَيْبَةُ فلا تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ ولَا أخَوَاتِكُنَّ وقالَ شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قالَ عُرْوَةُ: ثُوَيْبَةُ أعْتَقَهَا أبو لَهَبٍ)،[٢] ولم يطل إرضاع ثويبة للنبيّ فأرضعته لأيّامٍ فقط، وقد اختلفت الروايات في إسلام ثويبة وابنها، وأكثر الروايات على أنّها لم تُسلم.[٣][١]

إرضاع النبيّ وحضانته

أرضعت النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- بعد ثويبة حليمةُ السّعديّة؛ وهي حليمة بنت أبي ذؤيب السّعديّة، من بني سعد، أرضعت النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- حتّى فصلته؛ أي فطمته عن الرضاع، وكانت قد قدمت في سنة جدبٍ وقحطٍ مرّت عليهم في البادية إلى مكّة مع جملةٍ من المرضعات؛ ليأخذوا رضّعًا يرضعوهم، وكلّما مرّت مرضعةٌ على النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- رفضت أخذه؛ لأنّه كان يتيماً، ولم تجد حليمة السعديّة رضيعاً تأخذه وكرهت أن تعود بين المرضعات بلا ولدٍ فأخذت النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام-؛ فحصل لها من البركة والخير الكثير؛ إذ بارك الله لها في لبنها بعد أن كان قليلاً؛ فأرضعت النبيّ وابنها حتّى شبعا، وكانت لها ناقةٌ مسنّةٌ لا لبن لها؛ فوجدوها بعد أخذها للنبيّ مليئة الضرع؛ فحلبها زوجها وشربوا منها، ووجدت حليمة وأهلها من الخير والبركة الكثير بوجود النبيّ بينهم.[٤][١]


أمّا حاضنة النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- التي حضنته وربّته؛ فهي أمّ أيمن واسمها بركة بنت ثعلب، وكانت حاضنةً لعبدالله بن عبد المطلب والد النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- ثمّ للنبي من بعده، وكانت تعرف بمولاة رسول الله وخادمة رسول الله، وقد هاجرت إلى الحبشة وإلى المدينة المنوّرة من بعدها، وقد كان النبيّ يقدّرها ويبرّها فيزورها، فحرص أبو بكرٍ وعمر -رضي الله عنهما- بعد وفاة النبيّ على ذلك، كما رُوي عن أبي بكرٍ قوله لعمر: (انْطَلِقْ بنَا إلى أُمِّ أَيْمَنَ نَزُورُهَا، كما كانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يَزُورُهَا).[٥][٦]


المراجع

  1. ^ أ ب ت محمد أبو شهبة، كتاب السيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة، صفحة 191-196. بتصرّف.
  2. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أم حبيبة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:5372، صحيح.
  3. الصالحي الشامي، كتاب سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، صفحة 375-376. بتصرّف.
  4. أبو نعيم الأصبهاني، كتاب معرفة الصحابة، صفحة 3292-3293. بتصرّف.
  5. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:2454، صحيح.
  6. جمال الدين المزي، تهذيب الكمال في أشسماء الرجال، صفحة 329-330. بتصرّف.