هل تزوج سيدنا يحيى؟

تعددت أقوال أهل العلم في مسألة زواج النبي يحيى -عليه السلام-؛ إذ لم يرد في نصوص القرآن الكريم أو السنة النبوية ما يُثبت أو ينفي هذا الأمر، ولكنّ بعض أهل العلم حملوا وصف الله -تعالى- ليحيى -عليه السلام- بـ "الحصور"؛ تحديداً في بشرى النبي زكريا -عليه السلام- على عدم زواجه -عليه السلام-، أو رغبته بالقرب من النساء، وذلك في قوله -تعالى-: (فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَىٰ مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ).[١][٢]


ولكنّهم مع ذلك قالوا إنّ عدم رغبة النبي يحيى -عليه السلام- بالنساء، ومجاهدته لنفسه عن الشهوات؛ مع قدرته عليها هو أمدح له، وأكمل في حقّه، وإنّما هو مُترفّع عن الفواحش لا عاجزاً أو مصروفاً عن إتيان النساء؛ فالقول بضعف قدرته، أو مرضه لا يستقيم مع مقام نبوته -عليه السلام-.[٢]


ونذكر من أقوال العلماء في مسألة زواج يحيى -عليه السلام-، ما يأتي:[٣]

  • "... وَقَدْ تَزَوَّجَ -يحيى عليه السلام- مَعَ ذَلِكَ لِيَكُونَ أَغَضَّ لِبَصَرِهِ"؛ وهو قول سعيد بالمسيّب.
  • "... كان -يحيى عليه السلام- لَا يَأْتِي النِّسَاءَ وَلَا يَقْرَبُهُنَّ... يَعْنِي أَنَّهُ يَحْصُرُ نَفْسَهُ عَنِ الشَّهَوَاتِ"؛ وهو قول ابن عباس وابن مسعود وسعيد بن جبير وقتادة -رضي الله عنهم جميعاً-، وبعض التابعين ممن وافقهم القول.
  • "... حَصَرَ -يحيى عليه السلام- نَفْسَهُ عَنِ النِّسَاءِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى إِتْيَانِهِنَّ تَبَتُّلًا مِنْهُ، وَانْقِطَاعًا لِعِبَادَةِ اللَّهِ، وَكَانَ ذَلِكَ جَائِزًا فِي شَرْعِهِ..."؛ وهو قول بعض المتأخرين من أهل العلم.[٤]


زواج الأنبياء عليهم السلام

ثبت في العديد من نصوص الوحي -لا سيما في القرآن الكريم- زواج عدد من الأنبياء -عليهم السلام-، وإنجابهم الذريّة الطيبة من بعدهم، واختيار الله -تعالى- لبعض ذريّتهم أن يكونوا أنبياء ومرسلين، مبلغين ومنذرين، متممين للرسالات والتشريعات؛ قال -تعالى- في خطاب سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً...).[٥][٦]


ولا يعني هذا الإثبات -بالزواج وتحصّيل الذريّة- لعدد من الأنبياء -عليهم السلام-، أن لا يكون بعضهم مستثنىً من ذلك؛ ممن لم تذكر الآيات القرآنية أو الأحاديث النبويّة زواجهم أو ذريّتهم؛ كالنبي يحيى والنبي عيسى -عليهما السلام-، ولعلّ امتناع حصول الزواج تبتلاً لله -تعالى-، أو كفايةً منه -سبحانه-، أو بعداً عن الشواغل؛ مع القدرة عليه هو فضل لا نقص، وصفة كمال لا عيب.[٧]


ومع ذلك كلّه لا يكون ترك التزوّج من شأن النبوة، كما لا يكون التزوّج وتعدّده منقصة، أو موضع طعن في أنبياء الله -تعالى- الكرام.[٦] فالنبي محمد -صلى الله عليه وسلم- قد وصل درجة العلياء مع كثرة أزواجه، فهنّ لم يُشغلنه عن أمر الله -تعالى-، بل زاده ذلك عبادة لتحصينهنّ، وقيام النبي الكريم بحقوقهنّ، وهدايتهنّ لطريق الصواب، كما كنّ مما حُبب إليه -صلى الله عليه وسلم- من أمور الدنيا؛ ليكون هذا التحبيب إعانةً له على آخرته.[٧]

المراجع

  1. سورة آل عمران ، آية:39
  2. ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، موسوعة التفسير المأثور، صفحة 179، جزء 5. بتصرّف.
  3. البغوي، أبو محمد، تفسير البغوي، صفحة 35، جزء 2.
  4. محمد الأمين الشنقيطي، أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، صفحة 295، جزء 4.
  5. سورة الرعد، آية:38
  6. ^ أ ب ابن عاشور، التحرير والتنوير، صفحة 425، جزء 27. بتصرّف.
  7. ^ أ ب القاضي عياض، الشفا بتعريف حقوق المصطفى وحاشية الشمني، صفحة 88-89، جزء 1. بتصرّف.