بعث الله تعالى الأنبياء؛ لهداية الناس ودعوتهم إلى الإيمان به وتوحيده، وإقامة دينه وشرعه على الأرض، وإتمام مكارم الأخلاق في نفوسهم، ولم تمرّ أمّةٌ من الأمم دون دعوة نبيّ يبشرها وينذرها، قال الله تعالى مخاطبًا نبيّه محمد عليه الصّلاة والسّلام: (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ)،[١] وقد أدّى الأنبياء والرسل ما عليهم من الدعوة والتبليغ والبشارة والنذارة، وتعليم أمور الدين وأحكامه،[٢][٣] وتاليًا بيانٌ للإرث الذي خلّفوه للناس من بعدهم.
العلم ميراث الأنبياء
جاء في الحديث الشريف أنّ الأنبياء -عليهم السّلام- لا يتركون إرثًا من مالٍ أو متاعٍ، وأنّ ميراثهم الذي يخلّفوه هو العلم، كما في رواية أبي الدرداء -رضي الله عنه- عن النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- أنّه قال: "وإنَّ العلماءَ ورثةُ الأنبياءِ، وإنَّ الأنبياءَ لم يُورِّثُوا دينارًا ولا درهمًا، ورَّثُوا العِلمَ فمن أخذَه أخذ بحظٍّ وافرٍ"،[٤] فالعلماء هم الذين يرثون الأنبياء، وإرثهم الذي يرثونه من الأنبياء العلم، وأمّا عن توريث الأنبياء للمال؛ فقد روي عن النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- أنّ ما يُخلّفه الأنبياء من مالٍ إن خلّفوا وراءهم شيئًا منه فهو صدقةٌ، كما جاء في رواية أبي بكرٍ -رضي الله عنه- قوله: "سَمِعْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: لا نُورَثُ، ما تَرَكْنَا صَدَقَةٌ"؛[٥] والقول بأنّ الأنبياء لا يورّثون المال هو الذي عليه جماهير العلماء وأكثرهم، وقد أَوَّلَ بعضهم الحديث السابق بأنّ المراد؛ لا امتناع توريث المال مطلقًا، بل أنّ الأنبياء -عليهم الصّلاة والسّلام- لا يخلّفون وراءهم مالًا أصلًا؛ حتى يرثه من بعدهم، ومن ذلك ما روته أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- عن النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- أنّه: "ما تَرَكَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ دِينَارًا، وَلَا دِرْهَمًا، وَلَا شَاةً، وَلَا بَعِيرًا، وَلَا أَوْصَى بشيءٍ"،[٦] وقيل إنّ الله خصّ النبيّ محمدًا -عليه الصّلاة والسّلام- بأن جعل كلّ ماله صدقةً.[٧]
أمّا فيما يتعلّق بتوريث الأنبياء النبوّة لمن بعدهم، كما قد يُفهم من قول الله تعالى على لسان زكريا عليه السّلام: (فَهَب لي مِن لَدُنكَ وَلِيًّا* يَرِثُني وَيَرِثُ مِن آلِ يَعقوبَ)،[٨] وقوله تعالى عن سليمان ابن داود عليهما السّلام: (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ)،[٩] فالوراثة المقصودةٌ هنا ليست إرث النبوّة؛ لأنّ النبوّة لا تُورَّث بل هي اصطفاءٌ خالصٌ من الله، إنّما المراد وراثة العلم والحكمة.[٧][١٠]
فضل العلم
خصّ الله تعالى العلم والعلماء بمزيدٍ فضلٍ وعظيم أجرٍ، وفيما يلي بيان أبرز فضائل العلم والعلماء:[١١][١٢][١٣]
- جعل الله تعالى طلب العلم طريقًا موصلًا إلى الجنّة؛ كما روي عن النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- أنّه قال: "وَمَن سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فيه عِلْمًا، سَهَّلَ اللَّهُ له به طَرِيقًا إلى الجَنَّةِ".[١٤]
- العلم وسيلةٌ لإفادة الناس ونفعهم في الدنيا والآخرة.
- العلم سببٌ لغبطة الناس كما في جاء في قول النبيّ عليه الصلاة والسلام: "لا حَسَدَ إلَّا في اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتاهُ اللَّهُ مالًا، فَسَلَّطَهُ علَى هَلَكَتِهِ في الحَقِّ، وآخَرُ آتاهُ اللَّهُ حِكْمَةً فَهو يَقْضِي بها ويُعَلِّمُها".[١١]
- رفع الله تعالى منزلة العلم والعلماء ودرجتهم؛ كما جاء في قوله تعالى: (يَرْفَعِ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).[١٥]
المراجع
- ↑ سورة فاطر، آية:24
- ↑ مجموعة من المؤلفين، التعريف بالإسلام، صفحة 135. بتصرّف.
- ↑ عمر الأشقر، الرسل والرسالات، صفحة 15-16. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن أبي الدرداء، الصفحة أو الرقم:3641، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:6725، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:1635، صحيح.
- ^ أ ب شمس الدين القرطبي، تفسير القرطبي، صفحة 81-82. بتصرّف.
- ↑ سورة مريم، آية:5-6
- ↑ سورة النمل، آية:16
- ↑ أحمد أحمد غلوش، دعوة الرسل عليهم السّلام، صفحة 420. بتصرّف.
- ^ أ ب رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم:7141، صحيح.
- ↑ أحمد أبو عيد (14/12/2015)، "فضل العلم"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 01/09/2021. بتصرّف.
- ↑ ناصر بن محمد بن مشري الغامدي (03/08/2007)، "فضل العلم والعلماء"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 20/10/2021. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:2699، صحيح.
- ↑ سورة المجادلة، آية:11