من هو زكريا عليه السلام بالنسبة لمريم؟
ذكرت بعض الكتب والمصنفات أنّ زوجة النبي زكريا -عليه السلام- واسمها أشياع؛ هي أخت مريم بنت عمران -عليها السلام-؛ وهذا ما رجّحه بعض المصنفين اعتماداً على ما ثبت في حديث الإسراء والمعراج؛ حيث لقي النبي -صلى الله عليه وسلم- عيسى بن مريم، ويحيى بن زكريا -عليهم الصلاة والسلام جميعاً-، فقال عنهما أنّها ابنا الخالة.[١]
وهذا ما رجّحه الجمهور لظاهر الحديث النبويّ، ونصّ الحديث كما ثبت في صحيح البخاري: (... فأتيتُ على يَحيى، وعيسى فقلتُ: يا جبريلُ من هذين؟ قالَ يحيى، وعيسى -قالَ سعيدٌ: إنِّي حَسِبْتُ أنَّهُ قالَ في حديثِهِ: ابنيِ الخالةِ- فسلَّمتُ عليهما...)،[٢] وقيل إنّ زوجة زكريا -عليه السلام- هي خالة السيدة مريم -عليها السلام-، أخت أمّها حنّة زوجة عمران.[١]
وبناءً على ما تقدم من أقوال أهل العلم، فإنّ درجة القرابة بين سيدنا زكريا -عليه السلام-، والسيدة مريم ابنة عمران -عليها السلام- تكون كالآتي:
- إنّ سيدنا زكريا زوج أخت السيدة مريم -عليهما السلام- أمّ يحيى؛ والتي تُدعى أشياع، فيكون المقصود بابني الخالة القرابة الملاصقة الحقيقيّة، وأنّ القرابة بين يحيى وعيسى -عليهما السلام- قرابة من جهة الأم، وهذا هو الراجح عند أهل العلم كما أشرنا.[١]
- إنّ سيدنا زكريا زوج خالة السيدة مريم -عليهما السلام-؛ وهو قول آخر عند بعض أهل العلم، مستدلين أنّ العرب قد يُتجوّزون في تسمية القرابات، فيُنزلون أولاد الأولاد منزلة آبائهم، مع أولاد أعمام الآباء وخالاتهم؛ فيكون المقصود بابني الخالة القرابة البعيدة من جهة الأم، وتجوّزاً أُطلق على يحيى -عليه السلام- وهو ابن خالة السيدة مريم -عليها السلام-، بأنّه ابن خالة عيسى -عليه السلام-.[٣]
كفالة زكريا عليه السلام للسيدة مريم
لمّا حملت زوجة عمران بالسيدة مريم -عليها السلام- نذرت ما في بطنها لله -تعالى-، ولخدمة بيت العبادة؛ فلمّا ولدت زوجة عمران وعلمت أنّها أنثى؛ سمّتها مريم، واستعاذت بالله -تعالى- من أن يضرّها الشيطان، وأوفت بنذرها لله -تعالى-؛ فوهبت ابنتها خادمة لبيت العبادة عندهم، فتهافت الناس على خدمتها، وعلى الإنفاق عليها، وعلى التقرب من الله -تعالى- عن طريقها -عليها السلام-.[٤]
ولمّا أتوا بالسيدة مريم عليها السلام- إلى مكان العبادة، اختلف القوم فيمن يكفلها، فقد كان علماء التوراة كلّما جاءهم أحد ينشأ في بيت العبادة اقترعوا عليه؛ أيّهم يأخذه ويعلّمه؛ فوقف النبي زكريا -عليه السلام- وطلب كفالتها لأنّه الأحقّ بها؛ لصلة قرابته بها، ولكنّ علماء التوراة رفضوا إلا أن يُجروا القرعة؛ فألقوا الأقلام فيما بينهم، فكانت الكفالة من حقّ زكريا -عليه السلام-.[٥]
قال -تعالى- في ذلك: (ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ۚ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ)،[٦] وقال -تعالى-: (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا...)،[٧] وبهذا نشأت السيدة مريم -عليها السلام- نشأة صالحة، وأحاطتها رعاية الله -تعالى-، وسُخّرت لها الملائكة لخدمتها؛ فكانت تأتيها برزقها في المحراب وفيراً متنوعاً.[٤]
أثر كفالة السيدة مريم على زكريا عليه السلام
اختار الله -سبحانه وتعالى- أن تكون كفالة السيدة مريم على يد كريمة طاهرة، وعلى يد نبيّ من أنبيائه الصالحين؛ على يد زكريا -عليه السلام-، وقد كان لهذه الكفالة أثر على هذا النبي الكريم؛ حيث تطلّع إلى كرم المولى وعظيم رزقه، واستبشر كثيراً بوسع عطائه؛ وهذا كلّه لمّا كان يدخل على السيدة مريم في المحراب، فيجدها عابدة شاكرة قائمة تصلي، وقد رُزقت بخير كثير متجدد، من أصناف الطعام والرزق.[٨]
وكلّما سألها عن مصدر هذا الخير؛ أجابت -عليها السلام-: (... قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ ۖ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ)،[٧] هنا امتلأ قلب النبي الكريم بالعجب والدهشة، فقد رأى من الآيات الربانيّة ما يُطمئن فؤاده لعظيم كرم الله -تعالى-؛ فناجاه ودعاه في المحراب، في ذات المقام التي رُزقت فيه السيدة مريم، بأنّ يرزقه الذريّة الطيّبة بعد سنوات الحرمان، والكبر، والعقم؛ فكانت الإجابة، وكانت البشرى بالنبي يحيى -عليه السلام-.[٨]
قال -تعالى-: (هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ ۖ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ۖ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ* فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ).[٩][٨]
المراجع
- ^ أ ب ت ابن كثير، البداية والنهاية، صفحة 413، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن مالك بن صعصعة، الصفحة أو الرقم:3887، صحيح.
- ↑ عبد العزيز الطريفي، التفسير والبيان لأحكام القرآن، صفحة 593، جزء 2. بتصرّف.
- ^ أ ب أحمد أحمد غلوش، دعوة الرسل عليهم السلام، صفحة 460. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، موسوعة التفسير المأثور، صفحة 156، جزء 5. بتصرّف.
- ↑ سورة آل عمران، آية:44
- ^ أ ب سورة آل عمران، آية:37
- ^ أ ب ت عبد الكريم يونس الخطيب، التفسير القرآني للقرآن، صفحة 437-438، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ سورة آل عمران، آية:38-39