أيّد الله تعالى أنبياءه حين بعثهم إلى أقوامه بآياتٍ وبيّناتٍ دالّةٍ على صدقهم، ومثبِتةٍ لنبوّتهم، قال النبيّ عليه الصّلاة والسّلام: "ما مِنَ الأنْبِياءِ مِن نَبِيٍّ إلَّا قدْ أُعْطِيَ مِنَ الآياتِ ما مِثْلُهُ آمَنَ عليه البَشَرُ"،[١][٢] وتقتضي الآيات والمعجزات التي أجراها الله تعالى على يد أنبيائه كونها خارقةً لعادات وسنن الأشياء الجارية في الكون، ولا يستطيع أحدٌ من البشر الإتيان بمثلها.[٣]
النبي سليمان الذي سخّر الله له الريح
سخّر الله تعالى الريح لنبيّه سليمان عليه السّلام، كما جاء في قوله تعالى: (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ)،[٤] فطوّع الريح له تسير وتتجه حيث يريد هو عليه السّلام، وكانت ريحًا سريعةً قويّةً كما يقول المفسّرون، إلّا أنّها رغم قوّتها وسرعتها لم تكن عاتيةً مدمّرةً؛ لذا وصفها الله تعالى بأنّها رخاء كما جاء في قوله: (فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ)،[٥] وروي أنّ سليمان -عليه السّلام- استثمر تسخير الريح له؛ بأن جعلها تقلّه وتنقله هو وجنده حيث يريد، قال الله تعالى: (وَلِسُلَيمانَ الرّيحَ عاصِفَةً تَجري بِأَمرِهِ إِلَى الأَرضِ الَّتي بارَكنا فيها وَكُنّا بِكُلِّ شَيءٍ عالِمينَ).[٦][٧]
نبي الله سليمان ومعجزاته
نبوة سليمان
هو نبي الله سليمان عليه السّلام، أحد أنبياء بني إسرائيل، وقد ورث الحكم والنبوّة عن أبيه نبيّ الله داود -عليه السّلام- كما جاء في قول الله تعالى: (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ)،[٨] وميراث النبوّة تعبيرٌ مجازيّ؛ لأنّ النبوّة اختيارٌ من الله لا بالوراثة، إنّما المراد أنّ سليمان جاء عقب داود -عليهما السّلام- في بعثة النبوّة، وكان سليمان حتّى من قبل أن يؤتيه الله النبوّة صاحب حكمةٍ وتدبيرٍ وحسن فهم؛ حتّى أنّ أباه داود -عليه السّلام- كان يُشرِكه في أمور الحكم والقضاء وتدبير الملك، وقد شهد بنو إسرائيل فترة نبوّة وملك سليمان -عليه السّلام- رخاءً وقوّةً ورقيًّا حضاريًّا كبيرًا؛ حيث سخر سليمان كلّ ما أتاه الله تعالى في سبيل ذلك، وقد كان -عليه السّلام- ذاكرًا لفضل الله عليه وشاكرًا لنعمه؛ ومن ذلك ما جاء في قول الله تعالى على لسانه: (وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ)،[٩] وقال الله في وصف سليمان عليه السّلام: (نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ).[١٠][٧][١١]
معجزات النبي سليمان
أيّد الله تعالى سليمان -عليه السّلام- بمعجزاتٍ أخرى سوى تسخير الريح له، وتمثّلت هذه المعجزات في تسخير الجنّ جندًا له يقومون بكلّ ما يأمرهم به من مهامّ، كما سخّر له جندًا من الطير، وعلّمه الله تعالى منطقهم؛ فكان يحدّثهم ويفهم كلامهم، قال تعالى على لسان سليمان: (وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَـذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ* وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ)،[١٢] كما خصّ الله تعالى سليمان -عليه السّلام- بأن سَيّل له عينًا من النحاس، واستخدم هذا النحاس في تصنيع ما يحتاجه هو وجنوده، قال تعالى: (وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ* يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ).[١٣][٧]
المراجع
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:152، صحيح.
- ↑ "الأنبياء أيدهم الله تعالى بالآيات التي تدل على صدقهم"، إسلام ويب، 22/03/2011، اطّلع عليه بتاريخ 01/09/2021. بتصرّف.
- ↑ مصطفى مسلم، مباحث في إعجاز القرآن، صفحة 18-19. بتصرّف.
- ↑ سورة سبأ، آية:12
- ↑ سورة ص، آية:36
- ↑ سورة الأنبياء، آية:81
- ^ أ ب ت أحمد أحمد غلوش، دعوة الرسل عليهم السلام، صفحة 419-427. بتصرّف.
- ↑ سورة النمل، آية:16
- ↑ سورة النمل، آية:19
- ↑ سورة ص، آية:30
- ↑ ابن كثير، البداية والنهاية، صفحة 22. بتصرّف.
- ↑ سورة النمل، آية:16-17
- ↑ سورة سبا، آية:12-13