من أين يوسف عليه السلام؟

يوسف -عليه السلام- نبيٌّ كريم من نسل أنبياء كرام، وقد امتدح النبي -صلى الله عليه وسلم- نسبه؛ فقال: (الكَرِيمُ، ابنُ الكَرِيمِ، ابْنِ الكَرِيمِ، ابْنِ الكَرِيمِ يُوسُفُ بنُ يَعْقُوبَ بنِ إسْحاقَ بنِ إبْراهِيمَ عليهمُ السَّلامُ).[١]


وتذكر بعض المصنفات والمصادر التاريخيّة أنّ سيدنا يوسف -عليه السلام- ولد في فدان آرام، أثناء رعي أبيه يعقوب -عليه السلام- الغنم؛ والذي كان يخدم عند خاله والد زوجته، ثم انتقل يعقوب -عليه السلام- إلى أرض كنعان، وهناك ولد له ابنه الأصغر؛ أخو يوسف -عليه السلام- من أمّه.[٢]


وبعدما مكر إخوته له، وألقوه في البئر، جاء مجموعة من المسافرين، وأخرجوه من البئر، وباعوه في مصر، وعاش فيها حتى توفيّ.[٣]


مصر زمن يوسف عليه السلام

وقد كان مجتمع مصر آنذاك مجتمعاً يحكمه الرعاة، الذين عاصروا إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب -عليهم السلام-، وأخذوا عنهم بعضاً من دينهم، مما ساعد نبي الله يوسف -عليه السلام- في دعوته ونبوته، وقيل إنّ مدّة حكم هؤلاء الرعاة كانت طويلة، مليئة بالأمور المغايرة للمجتمعات من حولهم؛ وقد أشار القرآن الكريم إلى بعض ملامح هذا المجتمع أثناء الحديث عن قصة يوسف -عليه السلام-، ومن ذلك:[٤]

  • إنّ مجتمع مصر حينئذ لم يكن موحداً، ولم يكن يوسف -عليه السلام- متبعاً لهم؛ بدلالة قوله -تعالى-: (... إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ* وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۚ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ...).[٥]
  • كان مجتمع مصر لديهم بعض المعرفة عن دين الله -تعالى-، لا سيما أنّ حكامهم لم يكونوا من الفراعنة الذين ادّعوا الألوهية؛ ويظهر ذلك من مشهد النسوة اللواتي يعرفنّ الله -تعالى-، والملائكة الكرام؛ قال -تعالى-: (... فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ).[٦]
  • التميّز بنظام سياسيّ واقتصاديّ وإداريّ متقدم؛ عُرف فيه الدواوين، والوزارات، وقد كانت الأمصار المجاورة تأتي إلى أرض مصر لتجلب أقواتها وتجارتها.
  • التميّز بالعلم؛ وبخاصة في مجال العلم بتعبير الرؤى، الذي ظهر جليّاً في سورة يوسف -عليه السلام-، في رؤيا يوسف -عليه السلام-، ورؤيا أصحابه في السجن، ورؤيا الملك.
  • التميّز بالتمدن والتحضّر؛ الذي ظهر في مائدة نسوة المدينة عند اجتماعهنّ؛ فقد كانت النسوة لها مجالسها الخاصة، وكانوا يتفننون في إقامة موائد الطعام، مع استخدام السكاكين، وغيرها من الأوعيّة والأدوات المتحضّرة مقارنة بمجتمع البداوة من حولهم.


إقامة إخوة يوسف عليه السلام بمصر

ذكر القرآن الكريم أنّ إخوة يوسف -عليه السلام- استقرّوا بمصر مع أهلهم أجمعين، بعدما أخبرهم يوسف بحقيقته -عليه السلام-، وقد كان حينها عزيز مصر، وبعدما أمرهم بأخذ قميصه إلى أبيه ليعود له بصره؛ قال -تعالى-: (اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ)،[٧] وتذكر المصادر أنّ عددهم كانوا فوق الثمانين فرداً، وقيل أكثر من ذلك بكثير.[٨]


وقد خرج الملأ والجند مع يوسف -عليه السلام- ليستقبلوهم، وقد حلّت البركة في مصر بعدما جاء إليها يعقوب -عليه السلام- وبنيه وذرياتهم، فاجتمع ليوسف -عليه السلام- حينها كل ما كان يرجوه من المولى -جلّ شأنه-؛ فقال -تعالى- على لسان نبيّه: (... قَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاء...).[٩][٨]


وقد أقام يعقوب -عليه السلام- في مصر عشر سنين، وقيل سبع عشرة سنة، وقيل ثلاثون سنة؛ حتى توفّاه الله -تعالى- فيها، ورُويَ أنّه أوصى -عليه السلام- أن يُنقل من مصر إلى بيت المقدس؛ ليُدفن هناك.[١٠]

المراجع

  1. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:3390 ، صحيح.
  2. وهبة الزحيلي، التفسير المنير، صفحة 190، جزء 12. بتصرّف.
  3. المقريزي، المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، صفحة 457، جزء 1. بتصرّف.
  4. أحمد أحمد غلوش، دعوة الرسل عليهم السلام، صفحة 188-191. بتصرّف.
  5. سورة يوسف، آية:37-38
  6. سورة يوسف، آية:31
  7. سورة يوسف، آية:93
  8. ^ أ ب ابن كثير، قصص الأنبياء، صفحة 353-354، جزء 1. بتصرّف.
  9. سورة يوسف، آية:100
  10. المقريزي، المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، صفحة 456-457، جزء 1. بتصرّف.