مكان نزول سيدنا آدم من الجنة
ثبت في القرآن الكريم أنّ الله -سبحانه وتعالى- أمر سيدنا آدم -عليه السلام- وزوجه حواء، بالهبوط إلى الأرض بعدما أكلا من الشجرة المنهي عنها؛ فقال -تعالى-: (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ).[١][٢]
ولكن لم يذكر القرآن الكريم المكان الذي هبط فيه سيدنا آدم وزوجته، كما لم يرد في السنة النبويّة الصحيحة الثابتة أيّ معلومة في هذا الشأن؛ إنّما ورد بعض الآثار الضعيفة، وأقوال متعددة لبعض المؤرخين والمفسرين، نوردها على النحو الآتي:
- ما ورد في الخبر الضعيف: "نزل آدمُ بالهندِ واستَوْحَشَ...".[٣]
- قيل هبط سيدنا آدم -عليه السلام- بالهند على جبلٍ يُدعى "بوذ"، وهبطت حواء بجدّة؛ وتعارفا على جبل عرفات.[٤]
- قيل هبط سيدنا آدم -عليه السلام- بالهند على جبلٍ يُسمى "واسم".[٥]
- قيل هبط سيدنا آدم -عليه السلام- بأرضٍ بين مكة المكرمة والطائف؛ يُقال لها "دحنا".[٦]
وينبغي التنبيه إلى أنّ معظم هذه الأقوال والروايات هي من مرويات أهل الكتاب، والتي لا تثبت عندنا إلا بالحجة والنصّ الثابت؛ فلذلك دفع عدد من أهل العلم هذه الأقوال كلّها، وقالوا بعدم ثبوت شيء في مكان هبوط سيدنا آدم -عليه السلام-.[٥]
الحكمة من هبوط سيدنا آدم من الجنة
ذكر ابن القيم -رحمه الله- كلاماً نافعاً مفيداً، في الحكمة من هبوط سيدنا آدم -عليه السلام- إلى الأرض، بعد أن كان في الجنة يتنعم فيها كيف يشاء؛ فقال إنّ ذلك كان من أجل:[٧]
- أن يعود إليها -عليه السلام- وبنيه من بعده بأحسن الأحوال.
- أن يذيقه الله -سبحانه- وذريّته من تعب الدنيا، وهمومها وغمومها، ووصبها ونصبها؛ ما يَعْظُمُ به عندهم مكانة الجنة، والسعي إلى دخولها في الآخرة؛ فلو كانوا بالنعيم وعاشوا فيه لما قدّروا هذه الجنّة، ولما اهتموا لأمرها.
- أن يختبره الله -تعالى- وذريّته من بعده، ويمتحنهم ليعلم صدق إيمانهم، وتوحيدهم، وعبوديتهم؛ إذ إنّ الجنّة ليست داراً للتكليف، إنّما للجزاء والتشريف.
- أن يجعل الله -سبحانه- من عباده من ذريّة آدم -عليه السلام- الرسل والأنبياء، والأولياء والشهداء؛ الذين يحبهم ويحبونه، ويأمرهم ويطيعونه.
- أن يجعل لسيدنا آدم وذريّته داراً يُظهر فيها قدرته -سبحانه-، وعظمته، ورحمته ومغفرته، وأثر أسمائه وصفاته الحسنى.
الجنة التي كان فيها سيدنا آدم
تعددت أقوال أهل العلم في تحديد الجنة التي كان فيها سيدنا آدم -عليه السلام- وزوجه حواء قبل الهبوط؛ ودعّم كلّ رأيٍ قوله بعدد من الأدلة، ويمكن تلخيص هذه الأقوال مع أدلتها على النحو الآتي:
القول بأنّها جنة الآخرة
اتفق جمعٌ من أهل العلم على القول بأنّ الجنّة التي هبط منها سيدنا آدم -عليه السلام- هي جنة الخلد، التي أعدها الله -تعالى- للمتقين في الآخرة؛ وذلك لأسباب عديدة يطول المقام بذكرها، ولكن نذكر بعضها على النحو الآتي:[٨]
- وصف الله -تعالى- للجنة التي كان فيها سيدنا آدم -عليه السلام- بقوله: (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى* وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى)؛[٩] وهذه الصفات لا تكون في الأرض؛ فلا يُعقل أنّ في الأرض مكاناً لا تأتيه الشمس على نحوٍ مؤذٍ، أو لا يجوع فيه الإنسان، أو لا يعرى.
- إنّ الله -تعالى- أمر آدم -عليه السلام- بالخروج من الجنّة بصيغة الهبوط؛ وهذا يدلّ على ارتفاع المكان وعلّوه، كما أنّ النزول من مكان إلى مكان مغاير يُقال له هبوط، وإلا لكان إخراجاً؛ فلا يُتصوّر أنّ الله -تعالى- قصد به الإخراج، وقد ذكره في مواضع أخرى من القرآن الكريم.
- إنّ الله -تعالى- خلق الجنة والنار قبل الخلق؛ ودليل ذلك ما بيّنه النبي -صلى الله عليه وسلم-: في عدد من الأحاديث النبويّة؛ فهذا يعني أنّ المقصود بالجنة هي جنة واحدة، دار الكرامة ودار الخُلد، وإلا لكان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد وضّح لنا ذلك.
القول بأنّها جنة الأرض
ذهب بعض السلف إلى القول بأنّ الجنة التي هبط منها سيدنا آدم -عليه السلام- هي جنة في الأرض، وذلك لاستدلالهم بالعديد من الأدلة، نذكر منها ما يأتي:[١٠]
- إنّ الله -تعالى- وصف جنة الآخرة بدار المقامة؛ ولكنّ سيدنا آدم لم يُقم فيها، ووصفها بجنة الخلد ولم يخلد فيها، بل ونزل منها -عليه السلام-.
- إنّ الله -تعالى- سمّى جنة الآخرة بدار السلام؛ ولكنّ سيدنا آدم لم يسلم فيها من وسوسة الشيطان، وسمّاها دار الجزاء، ولكنّ سيدنا آدم ابتلي فيها، ولم يجازى بها.
- إنّ الله -تعالى- وصف لنا جنة الآخرة والتي ستكون الجزاء للمؤمنين يوم القيامة، ويوم القيامة لم يأتِ بعد؛ فكيف تكون هي ذاتها التي سكنها آدم -عليه السلام-!.
- إنّ الله -تعالى- أخبر أنّ جنة الآخرة لا كذب فيها ولا لغواً، ولكنّ الشيطان كذب بها على سيدنا آدم -عليه السلام- وقال بها لغواً كثيراً.
المراجع
- ↑ سورة البقرة، آية:36
- ↑ محمد إسماعيل المقدم، تفسير القرآن الكريم، صفحة 5، جزء 5. بتصرّف.
- ↑ ابن عساكر، تاريخ دمشق، صفحة 437، جزء 7.
- ↑ مكي بن أبي طالب، الهداية الى بلوغ النهاية، صفحة 2317، جزء 4. بتصرّف.
- ^ أ ب أبو جعفر ابن جرير الطبري، تاريخ الطبري تاريخ الرسل والملوك، صفحة 122، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ ابن كثير، البداية والنهاية، صفحة 187، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ ابن القيم، مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة، صفحة 5-7، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ صالح آل الشيخ، شرح العقيدة الطحاوية إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل، صفحة 548. بتصرّف.
- ↑ سورة طه، آية:118-119
- ↑ ابن القيم، مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة، صفحة 28-29، جزء 1. بتصرّف.