معجزة سيدنا إبراهيم

أيّد الله -سبحانه وتعالى- جميع رسله وأنبيائه بالمعجزات الحسيّة والمعنويّة الخارقة للعادة، والتي كانت تناسب كلّ قوم أُرسلت إليه؛ فالتحدي بالمعجزة يجب أن يكون في أمر اشتهر فيه القوم ونبغوا فيه؛ حتى يكون للتحدي قيمة، وقد فضّل الله -تعالى- أنبيائه بعضهم على بعض في هذه المعجزات، وفي تعددها وتنوعها.[١]


وقد ورد في القرآن الكريم والسنة النبويّة الحديث عن بعض معجزات الأنبياء، منها معجزة سيدنا إبراهيم -عليه السلام-، والتي يمكن بيانها على النحو الآتي:


عدم إحراق النار له

ذكر جمعٌ من المفسرين والمؤلفين أنّ المعجزة الأولى لسيدنا إبراهيم -عليه السلام- هي عدم إحراق النار له، وهي المعجزة الأعظم والأكبر في حقه -عليه السلام-، والتي أجمع عليها أهل العلم؛ وذلك عندما أراد قومه الانتقام للآلهة التي حطّمها النبي إبراهيم -عليه السلام-، فأرادوا تحرّيقه والانتقام منه؛ تنفيساً عن شدّة غضبهم وحقدهم على إبراهيم -عليه السلام-؛ فأعدوا له ناراً شديدة، كبيرةً عظيمة؛ وألقوه فيها.[٢]


ولكنّ الله -تعالى- أمرها ألا تحرقه، وأن تكون عليه برداً وسلاماً؛ فلو أمرها -سبحانه- ألا تحرقه فقط لأصابته بالأذى، ولو أمرها -سبحانه- أن تكون برداً لتجمد إبراهيم -عليه السلام-.[٢]


وكان من الممكن أن يأمر الله -تعالى- بإنطفائها، بمطر أو ماء أو نحو ذلك، كما كان من الممكن أن ينجي الله -سبحانه- نبيّه قبل أن يُوضع في النار، ولكنّ الله -تعالى- سخّرها معجزةً له، وأمرها بأحسن ما يكون من أجله؛ فقال لها -تبارك وتعالى-: (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ).[٣][٢]


إحياء الموتى

عدّ أهل العلم أنّ ما أجراه الله -تعالى- من إحياءٍ للموتى على يدّ النبي إبراهيم -عليه السلام-؛ معجزةً حسيّة له، وذلك كان بعدما طلب إبراهيم -عليه السلام- من الله -تعالى- أن يريه إحياء الموتى؛ فأمره بأن يأتي بمجموعة من الطير، فيذبحها، ويُقطّعها، وينشرها على الجبال، ثم يأمرها بأن تأتي إليه؛ فإذا بها تستجيب، وتلبي النّداء، وتجتمع بعد التفرّق، وتحيا بأمرٍ من الله -تعالى-، وتحلّق في الفضاء متجهةً إلى إبراهيم -عليه السلام-.[٤]


وقد قصّ القرآن الكريم خبر هذه المعجزة في قوله -تعالى-: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا).[٥][٤]


بقاء أثر قدمه في الحجر

ذهب بعض أهل العلم إلى القول بأنّ بقاء أثر قدم إبراهيم -عليه السلام- في الحَجَر؛ عندما كان يرفع القواعد من البيت مع ابنه إسماعيل -عليه السلام؛ من قبيل المعجزات، التي اختصّه الله -تعالى- بها، والتي نتج عنها بقاء هذا الأثر حتى يومنا هذا؛ وقد جعل الله -تعالى- هذا المكان مقاماً له، وشرع الصلاة فيه؛ وذلك بقوله -تعالى-: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى...).[٦][٧]


جانب من خصائص إبراهيم عليه السلام

يعدّ النبي إبراهيم -عليه السلام- أحد أُولي العزم من الرسل، الذي أرسله الله -تعالى- إلى قوم اشتهروا بعبادة الأصنام والتماثيل، كما عُرف عندهم ملكٌ متجبرٌ ادّعى الألوهية، ونسب لنفسه ما اختصّ به الإله -سبحانه-.[٨]


ولم يكن النبي إبراهيم -عليه السلام- مشاركاً لقومه بهذه الأمور، حتى قبل نبوته وبعثته؛ فقد كان -عليه السلام- راشداً، سليم العقل، نابغاً، متأملاً في ملكوت الله -تعالى-، حتى بلغ الأربعين عاماً، واختاره الله -تعالى- لدعوة قومه وإرشادهم إلى الحقّ.[٨]

المراجع

  1. محمد أبو زهرة، المعجزة الكبرى القرآن، صفحة 8. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت أحمد عمر أبو شوفة، المعجزة القرآنية حقائق علمية قاطعة، صفحة 23. بتصرّف.
  3. سورة الأنبياء، آية:63
  4. ^ أ ب عمر سليمان الأشقر، الرسل والرسالات، صفحة 127. بتصرّف.
  5. سورة البقرة، آية:260
  6. سورة البقرة، آية:125
  7. محمد سالم محيسن، القراءات وأثرها في علوم العربية، صفحة 314، جزء 1. بتصرّف.
  8. ^ أ ب أحمد أحمد غلوش، دعوة الرسل عليهم السلام، صفحة 107. بتصرّف.