أرسل الله تعالى رسله وأنبياءه؛ لإقامة الدين ودعوة الناس إلى طريق الحق المستقيم، وإخراجهم من كل ما يبعدهم عن الله وشرعه، وقد كانت دعوتهم الخالدة مبنيّة على أساس قويم هو توحيد الله تعالى وحده، فإنّ أصل دعوة الأنبياء واحدة وهو التوحيد،[١][٢] ومن بين رسل الله تعالى الذي ذكروا في القرآن الكريم نبيّ الله إدريس عليه السلام، وآتيًا تفصيلٌ بالحديث عنه وعن نبوّته عليه السلام.


نبي الله إدريس عليه السلام

بعث الله تعالى إدريس -عليه السلام- نبيًّا، وكانت دعوته كدعوة غيره من الأنبياء -عليهم السلام- قائمةً على التوحيد وعبادة الله -سبحانه وتعالى- وحده ونبذ الشرك وعبادة الوثن، وقد وصف الله -سبحانه وتعالى- إدريس بالصدّيق وبالنبي، قد أعلى قدره ورفع مكانته، وكان كثير العبادة فقد عُرِفَ بصومه للنهار وقيامه لليل.[٣]


نبوة إدريس عليه السلام

ذكرت رواياتٌ أنّ الله -سبحانه وتعالى- أنزل على نبيه إدريس -عليه السلام- ثلاثين صحيفة، وكان -عليه السلام- أوّل من خطّ بالقلم، وأوّل من نظر في علم الكواكب والنجوم، وقد اختلف العلماء في الزمن الذي بُعث فيه سيدنا إدريس -عليه السلام- نبيًا؛ فبعضهم قال: بعثه الله بعد سيدنا آدم -عليه السلام- وقبل سيدنا نوح عليه السلام، ومنهم من قال: بعثه الله بعد سيدنا نوح عليه السلام، وقيل إنه بُعث نبيًا لبني إسرائيل.[٤]


مهنة إدريس عليه السلام

ذكرت بعض المصادر الإسلاميّة أن سيدنا إدريس -عليه السلام- كان يعمل خياطًا، وكان كثير الذكر لله -عز وجل- في عمله، مما زاده قربًا من الله؛ فقد كان يقول مع كل غرزة إبرة: سبحان الله، فلم يكن أحد في الأرض أحسن منه عبادة لله تعالى حين يُمسي.[٥]


لقاء النبي بإدريس عليه السلام

ذكر النبي -عليه الصلاة والسلام- في قصة معراجه أنه رأى النبيّ إدريس -عليه السلام- في السماء الرابعة، وقد كان نبيًّا وصدّيقًا وله مكانة رفيعة بين إخوته الأنبياء -عليهم السلام- كما جاء في قوله تعالى: (وَاذكُر فِي الكِتابِ إِدريسَ إِنَّهُ كانَ صِدّيقًا نَبِيًّا*وَرَفَعناهُ مَكانًا عَلِيًّا)،[٦] وقد صحَّ أنه أوَّل من خطَّ بالقلم، وقد كان له العلم الواسع في الزراعة وتخطيط المدن، وقد أنزل الله على نبيه إدريس عليه السلام صحفًا مقدَّسة، وقيل إنَّه سُمِّي إدريس لكثرة درسه لكتاب الله تعالى، وقد حذّر قومه وأرشدهم بعدم مخالطة نسل قابيل، ولكنَّ القومَ أبوا وأصروا وعاندوا وكان هذا سبباً في زيغهم وانحرافهم عن طريق الحق، وأورد العلماء منهم الإمام السيوطي رحمه الله: أنَّ إدريس -عليه السلام- مَلَك مصر وكان أول من أقام فيها مكانًا للعبادة، وأنّه أوّل من علَّم الناس مهنة الطب، وأنّه قد بنى الأهرامات وقد خبئ فيها العلوم خشية عليها من الضياع، وقيل أنها كانت قبرًا له ولجده، ولا يصحّ أن تمثال أبي الهول هو تجسيدٌ لنبي الله إدريس عليه السلام.[٧]


رفع إدريس عليه السلام

اختلف المفسرون في مسألة رفع إدريس -عليه السلام- على قولين؛ فبعضهم قال: إنَّ الرفع في الآية رفْع مكان، وقال آخرون أن الرفع رفع مكانة، وقال كثيرٌ منهم أنَّ الله قد رفع نبيه -عليه السلام- إلى السماء الرابعة، وورد أيضًا: إنّ الرفع هنا رفع تشريفٍ وكرامةٍ، وسبب الرفع لم يرد به خبرٌ صحيح، وإنّما هي أقوال منسوبة لكعب الأحبار ولعبدالله بن عباس –رضي الله عنهما- وغيره، منها: أنه لمَّا أصابه وهج الشمس تعجب كيف يتحمله الملك الذي يحمل الشمس وسأل ربه أن يخفِّف عنه، فلما علم الملك بذلك أراد أن يكافئ إدريس، فجمع الله بينه وبينه، وطلب إدريس منه أن يشفع له عند ملك الموت ليؤخر أجله.[٨]


إدريس-عليه السلام- في السنة النبوية

لم يرد في السنة النبوية الصحيحة ذكرٌ لإدريس -عليه السلام- إلّا في موضعين اثنين، هما:

  • عند ذكر النبي-صلى الله عليه وسلم- أنه رأى إدريس -عليه السلام- في حادثة المعراج أثناء عروجه في السماوات، وذلك من قول النبيّ عليه الصلاة والسلام: "فَلَمَّا مَرَّ جِبْرِيلُ ورَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ بإدْرِيسَ صَلَواتُ اللهِ عليه قالَ: مَرْحَبًا بالنبيِّ الصَّالِحِ، والأخِ الصَّالِحِ، قالَ: ثُمَّ مَرَّ، فَقُلتُ: مَن هذا؟ فقالَ: هذا إدْرِيسُ".[٩]
  • في الحديث الذي يرويه معاوية بن الحكم السلمي -رضي الله عنه- عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أنّه قال: "كانَ نَبِيٌّ مِنَ الأنْبِيَاءِ يَخُطُّ، فمَن وافَقَ خَطَّهُ فَذَاكَ"،[١٠] فقد روي أنّ إدريس -عليه السلام- هو النبيّ المقصود في هذا الحديث.[١١]


حِكمة إدريس عليه السلام

قيل إنّ إدريس -عليه السلام- كان معروفًا بحكمته البالغة، فقد ورد عنه أنه قال: "الصبر مع الإيمان بالله يورث الظفر"، وقيل إنّ هذه الحكمة منقوشةٌ على فصّ خاتمه، ومن حكمه الجليلة: "إذا دعوتم الله -عزّ وجلّ- فأخلصوا النية وكذا الصيام والصلوات فافعلوا"، فقد كان -عليه السلام- يحثّ قومه على إخلاص العمل لله -سبحانه وتعالى- والتوجه إليه وحده، ومنها أيضًا: "تجنبوا المكاسبَ الدنيئة"، وقد ورد عنه أيضًا حثّه على العلم؛ فقال: "من أراد بلوغَ العلم والعمل الصالح؛ فليترك من يده أداة الجهل وسيء العمل"، وقد ورد عنه أيضًا دعوة قومه إلى الصدق وعدم الكذب، وأن يكون باطنهم وظاهرهم معلّقًا بالله تعالى؛ فقال: "لا تحلفوا بالله كاذبين".[١٢]

المراجع

  1. د.خالد بن محمود الجهني (25/2/2019)، "التوحيد دعوة الأنبياء والرسل"، شبكة الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 12/9/2021. بتصرّف.
  2. "المبحث الثاني: عقيدة التوحيد في دعوة الرسل عامة"، الدرر السنية الموسوعة العقدية، اطّلع عليه بتاريخ 12/9/2021. بتصرّف.
  3. وهبة الزحيلي، التفسير المنير للزحيلي، صفحة 124-125. بتصرّف.
  4. دصلاح الخالدي، كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان، صفحة 112-113. بتصرّف.
  5. الدكتورة هدى درويش، نبي الله إدريس بين المصرية القديمة واليهودية والإسلام، صفحة 95. بتصرّف.
  6. سورة سورة مريم، آية:56-57
  7. قصة الاسلام لايت (2/5/2020)، "قصة إدريس عليه السلام"، قصة الاسلام لايت، اطّلع عليه بتاريخ 12/9/2021. بتصرّف.
  8. "حكم رفع الله إدريس إليه"، إسلام أون لاين، اطّلع عليه بتاريخ 12/9/2021. بتصرّف.
  9. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي ذر الغفاري، الصفحة أو الرقم:163، صحيح.
  10. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن معاوية بن الحكم السلمي، الصفحة أو الرقم:537، صحيح.
  11. ابن كثير، قصص الأنبياء، صفحة 71.
  12. "نبي الله إدريس عليه السلام"، دار الفتوى المجلس الاسلامي الأعلى في استراليا، 27/2/2012، اطّلع عليه بتاريخ 12/9/2021. بتصرّف.