اقتضت حكمة الله -تعالى- ورحمته أن يبعث في كلّ أمّةٍ وقومٍ رسولًا يدعوهم إلى الإيمان بالله وتوحيده، قال -تعالى-: (وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ)،[١] وقد جاء القرآن الكريم على ذكر خمسةٍ وعشرين نبيًّا، وأمّا الذين لم يُذكروا فهم عددٌ كبيرٌ ومن ذلك قول الله -تعالى-: (وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلًا لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ)،[٢][٣] وتاليًا حديثٌ عن أحد أنبياء الله ورسله الذين ذكروا في القرآن الكريم أرسله الله تعالى إلى نينوى التي تقع شرقي نهر دجلة عند الموصل، وكانت آخر عاصمةٍ للإمبراطوريّة الآشوريّة القديمة، وقد استحوذ البابليّون والميديون عليها ودمّروها، ومن أبرز الآثار التي اكتشفت فيها مكتبة كبيرةٌ كان قد أنشأها الملك آشور بانيبال، وتعدّ نينوى اليوم ثاني أكبر مدن العراق، وتقع في الشمال منه ومركزها الموصل، ومن أبرز معالمهما جامع النبي يونس عليه السّلام.[٤][٥][٦]


يونس النبي الذي أرسله الله إلى نينوى

أرسل الله -تعالى- نبيّه يونس -عليه السّلام- إلى مدينة نينوى من أرض الموصل، وأهلها من الآشوريين، وكانوا يعبدون أصنامًا لهم سمّوها باسم مدنهم، فبعث الله -تعالى- فيهم يونس بن متّى-عليه السّلام- وهو من ذريّة يعقوب عليه السّلام.[٧][٨][٩]


دعوة يونس لأهل نينوى

أخذ يونس يدعو أهل نينوى للإيمان بالله وتوحيده وترك عبادة الأصنام، فاستكبروا وعاندوا، فتوعّدهم يونس -عليه السّلام- بعذابٍ من الله سيحلّ عليهم إن بقوا على الكفر، وتركهم وخرج من بينهم، فلمّا رأى قومه أمارات وإشارات العذاب تقترب منهم، تابوا وأنابوا إلى الله وبكوا خشيةً وتضرّعًا مخافة أن يحلّ عليهم العذاب، فصرف الله -تعالى- عنهم العذاب لمّا آمنوا، وشاهد ذلك قوله -تعالى-: (فَلَولا كانَت قَريَةٌ آمَنَت فَنَفَعَها إيمانُها إِلّا قَومَ يونُسَ لَمّا آمَنوا كَشَفنا عَنهُم عَذابَ الخِزيِ فِي الحَياةِ الدُّنيا وَمَتَّعناهُم إِلى حينٍ).[١٠][٧][٨][٩]


وأمّا يونس -عليه السّلام- فبعد خروجه غاضبًا من قومه، اتّجه إلى البحر واستقلّ سفينةً كانت مليئةً بالركّاب؛ فجاءها الموج وهي في وسط البحر، وثقلت؛ لكثرة ما تحمله، فاتّفق ركّابها أن يجروا قرعةً ويلقوا بمَن تأتي عليه القرعة في البحر، ووقعت القرعة على يونس -عليه السّلام- فألقي في البحر وابتلعه الحوت، فمكث في بطنه يسبّح ويستغفر، وكانت رحمة الله -تعالى- به أنّ الحوت لم يؤذه ولفظه بعدها إلى شاطىءٍ لا شجر فيه، وكان تسبيح يونس -عليه السّلام- في بطن الحوت كما جاء في قوله -تعالى-: (فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَـهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ* فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ)،[١١] فأكرمه الله -تعالى- بإنبات شجرةٍ من يقطين تكون له غذاءً وتظلّه وتستره، جاء في قول الله -تعالى- حكايةً لقصة يونس -عليه السّلام-: (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ*إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ*فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ*فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ* فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ*لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ*فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ*وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ).[١٢][٩]


المراجع

  1. سورة فاطر، آية:24
  2. سورة النساء، آية:164
  3. عمر الأشقر، الرسل والرسالات، صفحة 17-18. بتصرّف.
  4. زكريا القزويني، آثار البلاد وأخبار العباد، صفحة 477. بتصرّف.
  5. مجموعة من المؤلفين، مجلة البحوث الإسلامية، صفحة 868. بتصرّف.
  6. "محافظة نينوى"، مدينة نينوى، اطّلع عليه بتاريخ 29/08/2021. بتصرّف.
  7. ^ أ ب ابن الدَّوَاداري، كنز الدرر وجامع الغرر، صفحة 248. بتصرّف.
  8. ^ أ ب ابن كثير، البداية والنهاية، صفحة 16-19. بتصرّف.
  9. ^ أ ب ت أحمد أحمد غلوش، دعوة الرسل عليهم السلام، صفحة 254-259. بتصرّف.
  10. سورة يونس، آية:98
  11. سورة الأنبياء، آية:78-88
  12. سورة الصافات، آية:139-145