بشرية الرسل

أرسل الله -عزّ وجلّ- أنبياءه ورسله من البشر؛ لدعوتهم إلى توحيده وترك عبادة ما سواه، وقد اختارهم من بين خلقه، وفضّلهم بالنبوة والرِسالة، وأيّدهم بِالمعجزات، وجميعهم رجالٌ من البشرٌ يأكلون ويشربون وينامون ويستيقظون وتنزل بهم البلايا والأمراض وغيرها من الوقائع التي تأتي للبشر، كما أنّهم معصومون فيما يبلغونه للناس من الدين، قال تعالى في كتابه العزيز: (قالَت لَهُم رُسُلُهُم إِن نَحنُ إِلّا بَشَرٌ مِثلُكُم وَلكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى مَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ)،[١][٢]


لماذا أرسل الله الرسل من البشر؟

كان من أعظم الأسباب التي صدّت الناس عن دعوة الرسل والاستجابة لهم؛ أنّ هذه الرسالة أنزلت على بشرٍ مثلهم، بل إنّ من الأقوام والأمم من اعتبر إرسال الرسل من البشر تقليلًا من شأنهم واستهزاءً بهم، كما جاء في قوله تعالى: (وَما مَنَعَ النّاسَ أَن يُؤمِنوا إِذ جاءَهُمُ الهُدى إِلّا أَن قالوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسولًا)،[٣] وعدّوا اتّباعهم لرسلٍ بشرٍ مثلهم خسرانًا، قال الله تعالى على لسانهم: (وَلَئِنْ أَطَعْتُم بَشَرًا مِّثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَّخَاسِرُونَ)،[٤] وطلبوا أن يكون الرسل الذين يبعثون إليهم من الملائكة يشاهدونهم، أو على الأقل يبعث مع الرسول البشري رسولاً من الملائكة، قال تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ)،[٥][٦] ولله -عزّ وجلّ- في إرادته أن يكون الرسل من البشر، أسبابٌ وحكمٌ عديدةٌ، ومنها ما يلي:[٦]


  • الابتلاء والاختبار: اختارهم الله تعالى من البشر؛ لأنّ ذلك أعظم في الابتلاء والاختبار، وورد ذكر ذلك في الحديث القدسيّ الذي رواه مسلم في صحيحه قال: "إنَّما بَعَثْتُكَ لأَبْتَلِيَكَ وَأَبْتَلِيَ بكَ"،[٧] ومعنى قوله لأبتليك؛ أي لاختبار النبيّ بما يظهر منه، وقيامه بتبليغ الرسالة كما أُمر، وصبره في الله تعالى، وغيرِ ذلك،[٨] وجعل الله تعالى ابتلاءه لعباده من الأنبياء والرسل رفعًا لدرجاتهم، وحتّى يكونوا قدوةً لمن بعدهم،[٩] روى سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- أنّ رسول الله -عليه الصلاة والسلام- سُئِل: "أيُّ الناسِ أشدُّ بلاءً قال الأنبياءُ ثم الأمثلُ فالأمثلُ".[١٠]
  • التفضيل: اختيار الله تعالى لبعض عباده من البشر ليكونوا رسلًا، هو تكريمٌ وتفضيلٌ لهم، فهم خير الخلق وأفضلهم، قال تعالى: (أُولئِكَ الَّذينَ أَنعَمَ اللَّهُ عَلَيهِم مِنَ النَّبِيّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّن حَمَلنا مَعَ نوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبراهيمَ وَإِسرائيلَ وَمِمَّن هَدَينا وَاجتَبَينا).[١١]
  • قدرة الأنبياء البشر على القيادة والتوجيه: وذلك من رحمة الله بعباده أنّه يرسل إلى كلّ صنفٍ من الخلائق رسلًا منهم؛ لدعوة بعضهم بعضًا، وليمكّن بعضهم أن ينتفع ببعض في المخاطبة والسؤال، وفي الأخذ عنهم، ولذلك يكون الرسول من البشرِ أقدر على قيادة من مثله من البشر، وتوجيههم إلى الرشدِ والصواب، قال تعالى: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ).[١٢]
  • القدوة والأسوة: جعل الله تعالى الأنبياء والرسل من البشر؛ ليكونوا قدوةً لمن حولهم، فهم الأصلح للتأسي والاقتداء، قال تعالى: (أُولـئِكَ الَّذينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقتَدِه)؛[١٣] فلو كانوا من غير البشر لعجز الناس عن الاقتداء بهم واتخاذهم أسوةً لهم في أفعالهم.
  • صعوبة الاتصال بالملائكة ورؤيتهم: فالبشر لا يستطيعون رؤية الملائكة والتلقي عنهم بيسر وسهولة، فإذا كان النبيّ -عليه الصلاة والسلام- وهو موفور العقل والدين لم يحتمل رؤية جبريل -عليه السلام- على صورته الحقيقية التي خلقه الله عليها، فكيف للبشر تحمّل ذلك، وقد دلَّت النصوص على أن البشر يستطيعون رؤية الملائكة فقط في حال تمثّلهم على هيئة بشر، فحتى لو أراد الله تعالى أن يرسل ملكاً رسولاً إلى البشر؛ لأرسله من البشر، فيلتبس الأمر على الناس، فلا يستطيعون التحقّق من كونه ملكًا ولا رؤيته على هيئة ملك، فلا فائدة من ذلك، قال تعالى: (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ).[١٤][١٥]


المراجع

  1. سورة إبراهيم، آية:11
  2. محمد بن ابراهيم التويجري، مختصر الفقه الإسلامي في ضوء القرآن والسنة، صفحة 78-79. بتصرّف.
  3. سورة الإسراء، آية:94
  4. سورة المؤمنون، آية:34
  5. سورة الفرقان، آية:21
  6. ^ أ ب عمر الأشقر، الرسل والرسالات، صفحة 70-73. بتصرّف.
  7. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عياض بن حمار، الصفحة أو الرقم:2865، صحيح.
  8. صلاح نجيب الدق (21/4/2019)، "صفات أهل الجنة وأهل النار"، شبكة الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 29-9-2021. بتصرّف.
  9. أبو فيصل البدراني، فقه الابتلاء وأقدار الله المؤلمة، صفحة 45. بتصرّف.
  10. رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن سعد بن أبي وقاص، الصفحة أو الرقم:3402، صحيح.
  11. سورة مريم، آية:58
  12. سورة آل عمران، آية:164
  13. سورة الأنعام، آية:90
  14. سورة الأنعام، آية:9
  15. ابن كثير، تفسير ابن كثير، صفحة 216. بتصرّف.