تُعرف الهجرة في اللغة بأنّها الخروج من أرضٍ إلى أخرى،[١] وأمّا في الاصطلاح الشرعيّ فللهجرة معنى مخصوصٌ؛ هو ترك الوطن الذي بين الكفار والانتقال إلى دار الإسلام،[٢] على أنّ لفظ الهجرة إذ يطلق فإنّ المتبادر إلى الذهن هجرة النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- وأصحابه من مكّة المكرّمة إلى المدينة المنوّرة؛ حتّى أنّ الصحابة الذين انتقلوا من مكّة إلى المدينة بعد إذن الله تعالى لهم بالهجرة سمّوا المهاجرين،[٣] قال الله تعالى فيهم: "لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّـهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ أُولَـئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ".[٤]
عدد هجرات النبيّ
سبق أن هاجر عددٌ من الصحابة -رضي الله عنهم- إلى الحبشة بأمرٍ من النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- إلّا أنّه لم يهاجر معهم،[٥] وخرج -عليه الصّلاة والسّلام- إلى الطائف لدعوة أهلها إلى الإسلام، ومكث فيها عشرة أيّامٍ يدعو أهلها إلّا أنّهم لم يستجيبوا له فعاد إلى مكّة المكرمة،[٦] إلى أن هاجر هجرته الوحيدة إلى المدينة المنوّرة، وقد علم النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- منذ بدء نزول الوحي عليه أنّه سيخرج من مكّة المكرّمة ويتركها، ومصداق ذلك ما أخبره به ورقة بن نوفل ابن عمّ خديجة -رضي الله عنها- حيث أخبره بعد نزول الوحي عليه أوّل مرّةٍ: "لَيْتَنِي فيها جَذَعًا، لَيْتَنِي أكُونُ حَيًّا إذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ، فقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ، قالَ: نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بمِثْلِ ما جِئْتَ به إلَّا عُودِيَ"،[٧][٨] فلشدّة ما لقي النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- ومن معه من المؤمنين من أذى وتضييق على الدعوة وعدم القدرة على نشرها؛ جاء الإذن لهم بالهجرة، فهاجر جملةٌ من المؤمنين أولًا، وبعد مدّةٍ هاجر رسول الله بصحبة أبي بكر الصدّيق إلى المدينة المنوّرة وكانت هذه هي الهجرة الوحيدة للنبيّ عليه الصّلاة والسّلام.[٣]
أحداث هجرة النبيّ
الاستعداد للهجرة
بدأ عددٌ من المسلمين في مكّة المكرمة يهاجرون خفيةً إلى المدينة المنوّرة، وبقي النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- ينتظر إذن الله تعالى له بالهجرة، وبقي معه أبو بكرٍ رضي الله عنه، وكانت قريش في ذات الوقت تتآمر على النبيّ عليه الصّلاة والسّلام؛ لتتخلّص منه ومن دعوته، فتشاور زعماؤهم واستقرّ رأيهم على أن يأتوا من كلّ قبيلةٍ برجلٍ، وينتظروا النبيّ عند باب بيته حتى يخرج؛ فإذا خرج ضربوه جميعًا ضربةً واحدةً؛ فيتفرق بذلك دمه بين القبائل، وأعلم الله تعالى نبيّه بتآمرهم عليه؛ فأذن الله تعالى للنبيّ بالهجرة، وذهب إلى أبي بكرٍ يخبره، فطلب منه أبو بكرٍ مصاحبته في رحلة الهجرة، وأخذ النبيّ يستعدّ للهجرة، ومن مظاهر استعداده ما يأتي:[٩][١٠]
- تجهيز الراحلة، وتزويد أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- لهما بالطعام.
- مبيت علي بن أبي طالب في فراش النبيّ؛ إيهامًا لكفّار قريش الذين تآمروا على قتله أنّه لم يغادر داره، وحتى يعيد الأمانات التي كانت عند النبيّ إلى أصحابها.
- استئجار عبد الله بن أريقط؛ ليكون دليلهم في طريق الصحراء.
- المكث ثلاثة أيّامٍ في غار ثورٍ؛ لكونه غارًا منعزلًا، وحتّى يتأكدا من انتهاء قريش من البحث عنهما.
- إيصال عبد الله بن أبي بكر -رضي الله عنهما- لأخبار قريش وتحرّكاتهم إلى النبيّ وأبي بكر.
- قيام عامر بن فهيرة مولى أبي بكرٍ برعي الغنم في الطريق؛ لإخفاء آثار أقدام النبي وأبي بكر وابنه عبد الله.
الوصول إلى المدينة المنوّرة
تابع النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- وأبو بكرٍ -رضي الله عنه- طريقهما إلى المدينة المنوّرة وفي الطريق التقى بقافلةٍ تجاريّةٍ لركبٍ من المسلمين فيها الزبير وطلحة رضي الله عنهما، وكسيا النبيّ وأبا بكرٍ ثيابًا بيضاء، وكان الأنصار يخرجون كلّ يومٍ أوّل النهار يرقبون قدوم النبيّ عليه الصّلاة والسّلام، ويرجعون إذا اشتدّ الحرّ، حتّى وصل رسول الله برفقة أبي بكرٍ إليهم يوم الإثنين في الثاني عشر من ربيع الأوّل من العام الرابع عشر للبعثة، ولمّا سمع الأنصار بقدومه خرجوا يستقبلونه مكبّرين فرحًا بقدومه عليه الصّلاة والسّلام.[١١]
المراجع
- ↑ "تعريف وشرح ومعنى هجرة"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 15-08-2021.
- ↑ الجرجاني، التعريفات، صفحة 256.
- ^ أ ب أحمد أحمد غلوش، السيرة النبوية والدعوة في العهد المكي، صفحة 57-60. بتصرّف.
- ↑ سورة الحشر، آية:8
- ↑ راغب السرجاني (21/04/2010)، "الهجرة الأولى إلى الحبشة"، قصة الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 21/09/2021. بتصرّف.
- ↑ محمد جمعة الحلبوسي (23/01/2012)، الطائف/#ixzz1p5PHQOTw "رحلة النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 21/09/2021.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:3، صحيح.
- ↑ أحمد مصطفى عبد الحليم (07-12-2010)، "أسباب ونتائج الهجرة النبوية"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 15-08-2021. بتصرّف.
- ↑ محمد الطيب النجار، القول المبين في سيرة سيد المرسلين، صفحة 170-175. بتصرّف.
- ↑ راغب السرجاني (24-09-2017)، "الخطة النبوية في الهجرة"، قصة الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 15-08-2021. بتصرّف.
- ↑ موسى بن راشد العازمي، اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون، صفحة 78-80. بتصرّف.