النبي الذي ابتلعه الحوت
النبي الذي ابتلعه الحوت هو النبي يونس -عليه السلام-، وقد قال الله -تعالى- عنه: (وَذَا النُّونِ)؛[١] أي صاحب الحوت، وسمّاه الله بصاحب الحوت في موضعٍ آخر فقال -سبحانه-: (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ).[٢][٣]
وكل هذه الآيات تُشير إلى النبيّ يونس بن متّى، وهو النبيّ الذي دَعا في بطن الحوت وقال النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عن دعائه: (دَعْوةُ ذي النُّونِ الَّتي دَعا بها في بطنِ الحوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، لم يَدعُ مُسلمٌ بها في كُربةٍ إلَّا اسْتَجابَ اللهُ له).[٤]
سبب التقام الحوت ليونس عليه السلام
بعث الله -تعالى- نبيّه يونس -عليه السلام- إلى أهل نينوى لدعوتهم إلى عبادة الله -تعالى- وحده وتوحيده، ولكنهم أَبَوْا وعاندوه وصمّموا على كفرهم بالله وبرسالته، فلمّا غضب يونس -عليه السلام- توعّدهم بعذاب الله بعد ثلاث ليالٍ، وخرج من بينهم غاضِباً من أفعالهم، فأحسّ قومه بصدقه، وخافوا من عذاب الله، فخرجوا من ديارهم إلى الصحراء يتضرّعون إلى الله -تعالى- ويدعونه برفع العذاب عنهم.[٥]
وقد قال الله -تعالى- عنهم: (فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ)،[٦] وأمّا يونس -عليه السلام- فوجد سفينةً وركب بها مع مجموعةٍ من الأشخاص، ولكنّ السفينة اضطربت وخاف مَن فيها الغرق، فاتّفقوا على إجراء قرعةٍ بينهم حتى يترك السفينة أحدهم فتخفّ حمولتها، وكانت القرعة تقع في كل مرة على يونس -عليه السلام-، فألقى نفسه في البحر.[٥]
وقد قال -تعالى- واصفاً هذا المشهد: (إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ* فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ)،[٧] أي إنّ يونس -عليه السلام- ترك قومه وذهب إلى السفينة الممتلئة، وساهم بمعنى قارع، فكان من المدحضين؛ أي نزل في البحر،[٨] وبعد ذلك التقم الحوت يونس -عليه السلام-، قال -تعالى-: (فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ)،[٩] وسمّاه مليماً لأنّه فعل شيئاً يُلام عليها، ألا وهو ترك قومه ومغادرتهم دون أن يأذن الله له.[١٠]
حال يونس في بطن الحوت
كان نبيّ الله يونس -عليه السلام- يُسبّح الله ويذكره طيلة مكوثه في بطن الحوت، وألهمه الله -تعالى- أن يقول كلاماً عظيماً، فظَلَّ يقول: (لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)،[١١] فقال الله -سبحانه-: (فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ* لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)؛[١٢] وهذا يدلّ على إكثار يونس -عليه السلام- من التسبيح واللجوء إلى الله في بطن الحوت رغم مرضه ومصابه.[١٣]
ثمّ ظلّ في معيّة الله -تعالى- ورعايته، حيث أمَر الحوت أن يلقيه على جزيرةٍ، قال -تعالى-: (فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ)؛[١٤] أي وضعه الحوت على أرضٍ وهو مريض، ثمّ أنعم الله -تعالى- عليه وأنبت له شجرةً من يقطينٍ حتى يستظلّ بها، ويأكل من ثمرها المفيد ليقوى بدنه، قال -سبحانه-: (وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ* وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ* فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ).[١٥][١٣]
المراجع
- ↑ سورة الأنبياء، آية:87
- ↑ سورة القلم، آية:48
- ↑ الواحدي، التفسير البسيط، صفحة 153، جزء 15. بتصرّف.
- ↑ رواه الحاكم، في المستدرك على الصحيحين، عن سعد بن أبي وقاص، الصفحة أو الرقم:4172، صحيح الإسناد.
- ^ أ ب وهبة الزحيلي، التفسير الوسيط، صفحة 1610، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ سورة يونس، آية:98
- ↑ سورة الصافات، آية:140
- ↑ محمد الخطيب، أوضح التفاسير، صفحة 550، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ سورة الصافات، آية:142
- ↑ محمد سيد طنطاوي، التفسير الوسيط، صفحة 112، جزء 12. بتصرّف.
- ↑ سورة الأنبياء، آية:87
- ↑ سورة الصافات، آية:143-144
- ^ أ ب أحمد حطيبة، تفسير أحمد حطيبة، صفحة 5، جزء 333. بتصرّف.
- ↑ سورة الصافات، آية:145
- ↑ سورة الصافات، آية:146-148