كيف مات سيدنا عيسى؟
بدايةً ينبغي التنبيه إلى أنّ سيدنا عيسى -عليه السلام- لم يمت كباقي الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم-؛ فعندما أراد قومه صلبه وقتله من شدّة كفرهم وطغيانهم، رفعه الله -سبحانه- إليه حفظاً له من مكرهم، وقد ألقى الشبه على أحد رجالهم فقتلوه مكانه على رأي أهل العلم؛ قال -تعالى-: (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ ۚ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ۚ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ ۚ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا).[١][٢]
ولقد تعددت أقوال العلماء في رفع عيسى -عليه السلام-: أكان رفعه حيّاً أم أنّه حدث بعد موته؛ فقال بعضهم إنّه رُفع أثناء نومه -وهو ما رجّحه عدد منهم-، وقال آخرون إنّه توفي ثم رُفع إلى السماء بعد ذلك، إضافة إلى أنّ بعض أهل العلم قد توقفوا في هذه المسألة بظاهر النصوص القرآنية؛ فهم يثبتون الرفع للنبي عيسى -عليه السلام-، دون الكيفية أو البحث في التفصيلات.[٢]
هل سيدنا عيسى حيّ في السماء الآن؟
أجمع العلماء على أنّ عيسى -عليه السلام- حيٌّ الآن في السماء، بروحه وجسده؛ ولكنّه مع ذلك لن يُخلّد إلى الأبد؛ إذ إنّ البشر كلهم يموتون -ومن بينهم الأنبياء-، ولا ينبغي لأحدٍ منهم الخُلد، إلا أنّ موت عيسى -عليه السلام- سيكون موتاً طبيعياً -كباقي البشر- بعد نزوله من السماء إلى الأرض؛ ومن ثم يُبعث يوم القيامة مع الخلائق جميعها، مستدلين على ذلك بعدّة آيات قرآنية، منها قوله -تعالى- لنبيّه محمد -صلى الله عليه وسلم-: (وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ)،[٣] وقوله -تعالى- على لسان نبيّه عيسى -عليه السلام-: (وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا).[٤][٥]
متى ينزل سيدنا عيسى إلى الأرض مرة أخرى؟
ثبت في السنة النبوية أنّ الله -سبحانه- سيبعث عيسى -عليه السلام- مرة أُخرى قبل يوم القيامة، حيث سينزل إلى الأرض ويقتل المسيح الدّجال؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: (يخرُجُ الدَّجَّالُ في أُمَّتي فيمكُثُ فيهم أربعينَ، لا أدري أربعينَ يومًا أو أربعينَ عامًا، أو أربعينَ ليلةً أو أربعينَ شهرًا؛ فيبعَثُ اللهُ إليهم عيسى ابنَ مَريمَ كأنَّه عُروةُ بنُ مسعودٍ الثَّقفيُّ فيطلُبُه فيُهلِكُه).[٦][٧]
وفي رواية أخرى: (والذي نَفْسِي بيَدِهِ، لَيُوشِكَنَّ أنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابنُ مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، ويَقْتُلَ الخِنْزِيرَ، ويَضَعَ الجِزْيَةَ، ويَفِيضُ المالُ حتَّى لا يَقْبَلَهُ أحَدٌ)،[٨][٩]كما ذكر بعض المفسرين أنّ قوله -تعالى-: (وإِنْ مِنْ أهْل الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤمِنَنَّ بِه قَبْلَ مَوْتهِ)،[١٠] يدل على نزول عيسى -عليه السلام- في آخر الزمان، وأنّ أهل الكتاب جميعهم يؤمنون به حينها، ويتحققون من كونه عبداً لله ورسول من عنده -سبحانه-،[١١] ومن بعدها يموت عيسى -عليه السلام- كما يموت باقي البشر، وبهذا قال جمعٌ من المفسرين.[١٢]
المراجع
- ↑ سورة النساء، آية:157
- ^ أ ب [أحمد أحمد غلوش]، دعوة الرسل عليهم السلام، صفحة 478-479. بتصرّف.
- ↑ سورة الأنبياء، آية:34
- ↑ سورة مريم، آية:33
- ↑ صلاح الخالدي، القرآن ونقض مطاعن الرهبان، صفحة 300، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم:2940 ، صحيح.
- ↑ ابن كثير، النهاية في الفتن والملاحم، صفحة 184، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:155، صحيح.
- ↑ يوسف الوابل، أشراط الساعة، صفحة 347. بتصرّف.
- ↑ سورة النساء، آية:159
- ↑ ابن كثير، النهاية في الفتن والملاحم، صفحة 223، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ سليمان بن محمد اللهيميد، تفسير القرآن الكريم من الفاتحة إلى النساء، صفحة 26، جزء 6. بتصرّف.