دعاء سيدنا أيوب عليه السلام
ذكر القرآن الكريم في قصة سيدنا أيوب -عليه السلام- دعاء هذا النبي الكريم حين اشتدّ عليه المرض، وطال به زمن الابتلاء، فدعا الله -تعالى- أن يكشف عنه هذا البأس، وقد تضرّع وتذلّل إليه بأحسن العبارات، وأجزل الكلمات؛ وما كان دعاؤه هذا جزعاً أو تذمراً، فقد كان صابراً محتسباً بدليل قوله -تعالى- في امتداح هذا النبي الكريم: (... إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا ۚ نِّعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ).[١][٢]
ويمكن بيان دعاء النبي أيوب -عليه السلام- بحسب ما ذكره المولى -تعالى- على لسانه في الكتاب العزيز على النحو الآتي:
(... أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)
يقول -سبحانه وتعالى- في سورة الأنبياء: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)،[٣] وفي هذا الدعاء جمع النبي أيوب -عليه السلام- بين حقيقة التوحيد؛ بإقرار صفة الرحمة لله -تعالى-، والتوسّل له بها، والتودد بذكر أنّه -سبحانه- أرحم الراحمين، كما أنّ فيه إظهاراً للفقر والحاجة.[٢]
مع إخفائه للطلب وإبرازه للمناجاة والنداء، إذ إنّ من المفترض أن يقول -عليه السلام-: "ارفع عنّي أو اكشف عنّي ما أنا فيه"، إلا أنّه آثر التلطّف بسؤال المولى -تبارك وتعالى- فكانت الاستجابة سريعاً بكشف الغمّ، والعوض الجميل؛ إذ يقول -تعالى- في الآية التي تلي هذا الدعاء المبارك: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ ۖ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ).[٤][٥]
(... أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ)
يقول -سبحانه وتعالى- في سورة ص: (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ)،[٦] وهذا هو الدعاء الثاني للنبي أيوب -عليه السلام-، فقد نسب التعب والمشقة في هذا الدعاء للشيطان؛ وقد قال بعض أهل العلم أنّ ذلك إشارة إلى تسلّط الشيطان على أتباعه، حتى بدأوا يقولون بسيدنا أيوب -عليه السلام- ما ليس فيه، فاتهموه بنبوته لأجل طول ابتلائه، كما فُتن بعضهم عن دينه واستقامته.[٧]
أمّا بالنسبة للمشقة فقد قال بعض أهل العلم أنّ سيدنا أيوب -عليه السلام- كان يعاني من مجاهدة الشيطان، ويجد مشقةً في طرد وساوسه له بالقنوط واليأس من رحمة الله -تعالى- وفرجه، فكان مجمل دعائه يدلّ على بثّ الشكوى إلى الله -تعالى- مما أصابه؛ طالباً منه التفريج والتلطّف، ونيل ما تتوق إليه النفس منذ زمن، فاستجاب الله -تعالى- له، وأوحى إليه بالأخذ بأسباب الشفاء.[٧]
قال -تعالى- في الآيات التي تلي هذه الدعاء: (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ ۖ هَـٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ* وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ)،[٨] فامتثل النبي الأواب لأمر الله -سبحانه-، واغتسل حتى ذهب عنه السقم، وكان له العوض بالصبر والمجاهدة.[٧]
ما يُستفاد من دعاء أيوب عليه السلام
يتجلّى في دعاء النبي أيوب -عليه السلام- حسن اختيار الدعاء، وحسن الافتقار والتواضع لله -تعالى-، والتوّسل بصفاته، مع الحرص على التأدب في نسبة المرض أو الفقر أو التعب أو المشقة، أو أيّ نوع من أنواع الابتلاءات إلى المولى -سبحانه-، مع أنّ كل ذلك مقدرٌ منه.
إلا أنّ التأدب في حضرته، والإعراض عن بسط ذكر الابتلاء أدعى لإشغال النفس بما هو أنفع لها من الدعاء والتضرّع، واستجلاب رحمات الله وفرجه. ومن الجدير بالذكر أنّ أهل العلم أجازوا الدعاء بما ورد على لسان أيوب -عليه السلام- وبما ورد على لسان الأنبياء عموماً؛ لدفع المرض والابتلاء، والإكثار منه عند الحاجة لذلك، مع تحرّي أوقات الإجابة والأخذ بالأسباب.[٩]
المراجع
- ↑ سورة ص، آية:44
- ^ أ ب محمد نصر الدين محمد عويضة، فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب، صفحة 487، جزء 7. بتصرّف.
- ↑ سورة الأنبياء، آية:83
- ↑ سورة الأنبياء، آية:84
- ↑ أحمد حطيبة، تفسير أحمد حطيبة، صفحة 12، جزء 11. بتصرّف.
- ↑ سورة ص، آية:41
- ^ أ ب ت مجموعة من المؤلفين، التفسير الوسيط، صفحة 504-505، جزء 8.
- ↑ سورة ص، آية:42-43
- ↑ "لا حرج في الدعاء بدعاء أيوب عليه السلام عند المرض"، إسلام ويب، 23/11/2011، اطّلع عليه بتاريخ 13/7/2023. بتصرّف.