حفلت سيرة النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- بمواقف وقصصٍ كثيرةٍ، جاءت نصوص القرآن الكريم والسنة النبويّة على بيان كثيرٍ منها، ومن بين هذه القصص؛ قصّة وضع السمّ للنبيّ -عليه الصّلاة والسّلام-، وفيما يأتي بيانٌ لتفاصيل تلك القصّة وأثرها على النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام-.


قصة وضع السمّ للنبيّ

كان النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- يقبل الهديّة ولا يردّ صاحبها؛ فحدث بعد فتح خيبر أن أهدت له امرأةٌ من اليهود تُدعى زينب بنت الحارث شاةً مشويّةً، وسمّمتها وأكثرت من دسّ السّمّ في ذراع الشّاة حين عرفت أنّ الذراع أحبّ جزءٍ لرسول الله، فأكل النبيّ وأكل معه بعض أصحابه -رضي الله عنهم-، ومنهم: بشر بن البراء، ورُوي أنّ الذراع الذي تناوله النبيّ أخبره أنّه مسمومٌ؛ فكفّ النبي عن إتمام أكله، وأمر أصحابه أن يرفعوا أيديهم عن الطعام؛ لأنّه مسمومٌ، فرفعوا أيديهم، فأرسل النبيّ إلى المرأة يسألها عن فعلتها؛ فأخبرته أنّها أسمّتها، وغرضها من فعلها هذا أن تتثبّت؛ إن كان النبيّ صادقاً في نبوّته؛ فإنّه سيُوحى إليه أنّ الشاة مسمومةٌ، وإن لم يكن فيستريح الناس منه كما زعمت، وقيل فيها أنّها أسلمت، وأنّ النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- تركها ولم يأخذها بفعلتها، وقيل في روايةٍ أنّ بشر بن البراء -رضي الله عنهما- مات متأثّرًا بالسّمّ الموضوع في الطعام الذي أكله؛ فاقتُصّ من اليهوديّة لكونها تسبّبت في مقتل بشر -رضي الله عنه-،[١][٢] وممّا جاء من الروايات في هذه الحادثة ما رواه أنس بن مالك -رضي الله عنه-: (أنَّ امْرَأَةً يَهُودِيَّةً أَتَتْ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ بشَاةٍ مَسْمُومَةٍ، فأكَلَ منها، فَجِيءَ بهَا إلى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَسَأَلَهَا عن ذلكَ؟ فَقالَتْ: أَرَدْتُ لأَقْتُلَكَ، قالَ: ما كانَ اللَّهُ لِيُسَلِّطَكِ علَى ذَاكِ قالَ: أَوْ قالَ، عَلَيَّ قالَ قالوا: أَلَا نَقْتُلُهَا؟ قالَ: لَا، قالَ: فَما زِلْتُ أَعْرِفُهَا في لَهَوَاتِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ).[٣]


أثر السمّ على النبيّ

رغم أنّ النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- لم يتمّ الأكل من الشّاة حين علم أنّها مسمومةٌ، وقيل إنّه لفظ ما أكله منها ولم يستسغه، إلا أنّه خلّف أثره في جسده -عليه الصّلاة والسّلام-؛ فاحتجم، وكان كلّما وجد أثراً للسمّ في جسده ذهب للحجامة، وحين مرض النبي -عليه الصّلاة والسّلام- مرض الموت؛ أخبر عائشة -رضي الله عنها- أنّه ما زال يجد أثر السمّ في جسده، وشاهد ذلك ما روته عنه عائشة -رضي الله عنها-: (يا عائشةُ ما أزالُ أجِدُ ألم الطعامِ الذي أَكَلْتُ بخيبرَ، فهذا أوانُ وجدتُّ انقطاعَ أَبْهَرِي مِنْ ذلِكَ السُّمِّ)،[٤] كما رُوي عن ابن مسعودٍ -رضي الله عنه- أنّ ذلك كان حتّى تكتب للنبي -عليه الصّلاة والسّلام- منزلة الشهادة، قال -رضي الله عنه-: (لأنْ أحلفَ تِسعًا أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قُتِلَ قَتْلًا أَحَبَّ إليَّ من أنْ أحلِفَ واحدةً أنه لم يُقتلُ وذلك أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ جعلهُ نبيًّا واتَّخذه شهيدًا).[٥][٦][١][٢]


المراجع

  1. ^ أ ب ابن ناصر الدين الدمشقي، سلوة الكئيب بوفاة الحبيب، صفحة 110-112. بتصرّف.
  2. ^ أ ب الدّيّار بكري، تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيس، صفحة 51-53. بتصرّف.
  3. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:2190، صحيح.
  4. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:7929، صحيح.
  5. رواه أحمد شاكر، في مسند أحمد، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم:88، إسناده صحيح.
  6. ابن كثير، البداية والنهاية، صفحة 238. بتصرّف.