لم تكن وفاة النبي صلى الله عليه وسلم حدثًا هيِّنًا على المسلمين؛ فبوفاته صلى الله عليه وسلم انقطع الوحي عن الأرض، ولأن هذا الحدث جلل في السيرة النبوية، لا بد لكل مسلم من الاطلاع على تفصيلاته، وذلك ليستشعر ما مر به الصحابة حينها، وليطلع على آخر ما قاله وأوصى به صلى الله عليه وسلم، كما أن المحب للرسول صلى الله عليه وسلم لا بد وأن يدرس سيرته ويعرفها، وإن وفاته صلى الله عليه وسلم جزء لا يتجزأ من سيرته؛ فقد ظل الرسول صلى الله عليه وسلم يعلمنا ويوصينا إلى آخر لحظة في حياته، وقد كان كل سلوكه سيرة نقتدي بها، لذلك سنعرض في هذا المقال أبرز ما جاء في وفاته صلى الله عليه وسلم من أحداث وروايات.[١]


وفاة النبي

توفي النبي محمد صلى الله عليه وسلم إثر مرض أصابه، وقد بدأت أعراضه بالظهور في التاسع والعشرين من صفر في العام الحادي عشر من الهجرة، وقد ظل صلى الله عليه وسلم مريضًا إلى أن توفي في الثاني عشر من ربيع الأول للعام نفسه، وبذلك بلغ عمره صلى الله عليه وسلم 63 عامًا، وسنعرض فيما يأتي أبرز المحطات التي حدثت في وفاة الرسول: [٢]


1. شعور الرسول بدنوّ أجله

في العام الذي يسبق وفاة الرسول بدت في سيرته وسلوكه وخطبه الكثير من التصرفات التي تدل على توديعه للحياة وشعوره بدنوّ أجله واقتراب التحاقه بالرفيق الأعلى، ونعرض أبرزها فيما يأتي: [٣]

  • اعتكافه صلى الله عليه وسلم في رمضان عشرين يومًا، وقد كان يعتكف عشرة أيام عادةً في رمضان.
  • تدارس جبريل عليه السلام للقرآن مع الرسول مرتين وليس مرة واحدة.
  • قوله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: "لِتأْخُذْ أُمَّتي مَناسِكَها؛ فإنِّي لا أدْري لَعَلِّي لا ألْقاهُم بَعدَ عامي هذا".[٤]
  • خروجه صلى الله عليه وسلم إلى أحد في مطلع شهر صفر من العام الحادي عشر للهجرة، وصلاته على الشهداء كما يصلي على الميت، ثم صعوده على المنبر وقوله: "إنِّي فَرَطُكُمْ، وأَنَا شَهِيدٌ علَيْكُم، وإنِّي واللَّهِ لَأَنْظُرُ إلى حَوْضِي الآنَ، وإنِّي قدْ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الأرْضِ وإنِّي واللَّهِ ما أخَافُ علَيْكُم أنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي، ولَكِنِّي أخَافُ علَيْكُم أنْ تَنَافَسُوا فِيهَا" [٥].


2. مرض الرسول

في التاسع والعشرين من صفر للعام الحادي عشر من الهجرة خرج صلى الله عليه وسلم إلى البقيع في جنازة، وفي طريق عودته شعر صلى الله عليه وسلم بصداع تبعته حمى، ولكنه صلى الله عليه وسلم ظل يصلي بالمسلمين كعادته لمدة أحد عشر يومًا، وقد كانت المدة بين مرضه ووفاته ثلاثة عشر أو أربعة عشر يومًا. [٣]


3. الأسبوع الأخير من حياة الرسول

بعد أن اشتد المرض بالرسول صلى الله عليه وسلم استأذن زوجاته أن يمرّض في بيت عائشة رضي الله عنها، وبذلك فإنه قضى أيامه الأخيرة في بيتها، وقد كانت رضي الله عنها تقرأ عليه المعوذات والأدعية فتنفث عليه ثم تمسك بيده صلى الله عليه وسلم وتمسح بها عليه لبركة يديه صلى الله عليه وسلم. [٣]


4. قبل وفاة الرسول بخمسة أيام

اشتد المرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى أنه كان يفقد الوعي، ولمّا رأى حاله طلب أن يُصبّ عليه من الماء كي يستعيد وعيه، ثم خرج على المسلمين معصوب الرأس، وجلس على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "إنَّ عبدًا من عبادِ اللهِ خُيِّر بينَ الدُّنيا وبينَ ما عندَ اللهِ فاختار ما عندَ اللهِ" [٦] فلم يفهم أحد قصده صلى الله عليه وسلم إلا أبا بكر بكى وأخذ يردد: "فديناك بآبائنا وأمهاتنا". [٣]


5. قبل وفاة الرسول بأربعة أيام

ظل النبي يصلي في الناس خمس صلوات إلى هذا اليوم وكان يوم الأربعاء، فعند صلاة العشاء خرج ليصلي وكان شديد الإعياء، لكنه فقد وعيه عدة مرات، فأرسل إلى أبي بكر ليصلي بالناس، وكانت المرة الأولى التي يصلي بالمسلمين أحد غير الرسول في حضوره. [٣]


6. قبل يوم أو يومين من وفاة الرسول

وكان هذا يوم السبت أو الأحد، وقد شعر فيه صلى الله عليه وسلم بتحسن في بدنه، فخرج إلى المسجد وقت صلاة الظهر يسنده رجلان، وكان أبو بكر يصلي بالناس، فلما رآه أبو بكر أراد أن يرجع إلى الوراء ليصلي الرسول بدلًا منه، لكنه صلى الله عليه وسلم أشار إليه بألا يفعل، وطل من الرجلين إجلاسه بجانب أبي بكر، فأخذ أبو بكر يتبع الرسول بالصلاة ويكبر ليُسمع الناس التكبير. [٣]


7. آخر يوم من حياة الرسول

وكان يوم الإثنين حين كان المسلمون يصلون الفجر مع أبي بكر، فرفع صلى الله عليه وسلم الحجاب عن حجرته بينه وبين المسلمين، فكاد المسلمون يفتتون ويتركون صلاتهم ظنًّا بأنه صلى الله عليه وسلم استعاد عافيته وسيصلي بهم، لكنه أشار إليهم بأن يتموا صلاتهم ثم أرخى الحجاب، ولم يشهد صلى الله عليه وسلم صلاة للمسلمين بعدها. [٣]


8. احتضار الرسول

وكان ذلك في وقت الضحى من يوم الإثنين الثاني عشر من ربيع الأول، وكان الرسول مسندًا رأسه على صدر عائشة رضي الله عنها، فشخص بصره وتحركت شفتاه وصار يردد: "اللهم الرفيق الأعلى" [٧]، فسقطت يده صلى الله عليه وسلم مسلِّمًا روحه لله عز وجل. [٣]


المراجع

  1. "وفاة الرسول وأثره على الصحابة"، قصة الإسلام. بتصرّف.
  2. "وفاة النبي صلى الله عليه وسلم"، الألوكة الشرعية. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت ث ج ح خ د صفي الرحمن المباركفوري، الرحيق المختوم، صفحة 399. بتصرّف.
  4. رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج المسند، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:14946.
  5. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عقبة بن عامر، الصفحة أو الرقم:6426.
  6. رواه الهيثمي، في مجمع الزوائد، عن معاوية بن أبي سفيان ، الصفحة أو الرقم:45/9.
  7. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:6509.