كان الأنبياء قدوة لأقوامهم في كل جوانب حياتهم من أصغرها إلى أكبرها، لذلك فليس من الغريب أن يعمل الأنبياء في مهن لتأمين عيشهم ولزيادة استعدادهم للنبوة، وتعويدهم على حمل المسؤولية، فكما نعلم إن المهنة والعمل يؤثران في الإنسان تأثيرًا كبيرًا ينعكس على جوانب حياته المختلفة، وعند الحديث عن مهن الأنبياء فإن أول مهنة تخطر لأذهاننا هي الرعي، كيف لا وقد قال فيها صلى الله عليه وسلم: "ما بَعثَ اللهُ نبيًّا إلا رَعَى الغَنَمَ، وأنا كُنتُ أرْعَاها لأهلِ مَكَّةَ بِالقرارِيطِ"،[١] وإن امتهان كل الأنبياء للرعي يجعلنا نشعر بوجود رابط بين الرعي والنبوة، أو أن الرعي ومعوقاته يدرب الأنبياء على ما سيلاقونه من تحديات مع أقوامهم، وإن المتأمل للغنم يجده ينظر إلى الأرض في مشيته بعكس الإبل التي تنظر إلى السماء، وهذا يورث التواضع في الأنبياء، وإنّ التواضع والوقار صفة أساسية من صفات الأنبياء، واستئنافًا لهذا الموضوع سنعرض في مقالنا أشهر مهن الأنبياء التي صحت روايتها.[٢]


رعي الغنم

لقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الوارد أعلاه أن الله لم يبعث نبيًّا إلا ورعى الغنم، ولكن هذا لا يمنع اشتغال بعض الأنبياء بمهن أخرى، أو أنهم ربما عملوا بمهن أخرى إلى جانب الرعي، وهذا لا يتعارض أبدًا مع قوله صلى الله عليه وسلم؛ إذ إن الحالات النادرة لا تفسد القاعدة العامة، وفيما يأتي عرض لأشهر الأنبياء الذين عملوا في الرعي: [٢]


1. موسى عليه السلام

عمل موسى عليه السلام في رعي الغنم سنين طويلة، ودليل ذلك ما جاء في قوله تعالى: "إِنّيَ أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيّ هَاتَيْنِ عَلَىَ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أَشُقّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللّهُ مِنَ الصّالِحِينَ، قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيّمَا الأجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلاَ عُدْوَانَ عَلَيّ وَاللّهُ عَلَىَ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ" [٣]، وقوله تعالى: "وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى، قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى". [٤]


2. محمد صلى الله عليه وسلم

من المعروف عنه صلى الله عليه وسلم أنه عمل في الرعي من صغره، فقد رعاها لأول مرة في بني سعد مع إخوته من الرضاعة، ثم رعاها في مكة، ومن الجدير بالذكر أن رعي الغنم يخلق في نفوس الأنبياء الصبر والتواضع كما ذكرنا أعلاه وهذا ما يحتاجه الأنبياء، كما أن في ذلك دليلًا على عدم اختصاص الله النبوة بالأغنياء وأهل النسب بل بأصحاب العمل والمهن والحرف. [٥]


الفلاحة

كان أبو البشر سيدنا آدم يعمل في زراعة الأرض مع زوجته أمنا حواء، كما كان يصنع المعدات التي تعينه في هذه المهنة من الأدوات المتوفرة لديه؛ كأغصان الشجر وأوراقه. [٦]


الخياطة

كان سيدنا إدريس عليه السلام خياطًا، وهو أول من خاط الثياب، ومن الجدير بالذكر أنه من سلالة سيدنا آدم، ويفصله عنه خمسة آباء، وكان عليه السلام كلما وخز الإبرة بالثياب ذكر الله وسبحه. [٧]


النجارة

عمل سيدنا نوح في النجارة، وإن خير ما يدل على ذلك صنعه للسفينة التي أمره الله بصنعها، وقد جاء ذكر ذلك واضحًا في كتاب الله: "وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ، وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ". [٨][٦]


البناء

كان إبراهيم أبو الأنبياء بناءً، ودليل ذلك أنه هو من بنى الكعبة كما جاء في قوله تعالى: "وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ". [٩]


الحدادة

عمل سيدنا داوود عليه السلام في الحدادة، وقد كان يصنع الدروع والأسلحة التي تحمي الناس في القتال، وكان ذلك واضحًا في قوله تعالى: "وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ ۖ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ" [١٠]، كما قال فيه عز وجل: "وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ، أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ". [١١]


التجارة

عمل محمد صلى الله عليه وسلم في مهنة التجارة وهو شاب، فقد انتشرت هذه المهنة بين أشراف قريش، وصارت لديهم رحلتان للتجارة، وعندها خرج صلى الله عليه وسلم مع عمه أبي طالب في التجارة، وتسلم بعدها تجارة عمه بعد أن تعلم أصول هذه المهنة، كما عمل سيدنا موسى في التجارة إلى جانب رعيه للأغنام. [٥][١٢]


المراجع

  1. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:5581.
  2. ^ أ ب "رعاية الأنبياء للغنم.. دروس وحكم"، البيان، 14-5-2018، العدد 373، صفحة 1. بتصرّف.
  3. سورة القصص، آية:27-28
  4. سورة طه، آية:17-18
  5. ^ أ ب "عمل النبي صلى الله عليه وسلم بالرعي والتجارة"، إسلام ويب. بتصرّف.
  6. ^ أ ب "الأنبياء والرسل أصحاب مهنة وحرفة"، الألوكة الشرعية. بتصرّف.
  7. مكي بن أبي طالب، الهداية إلى بلوغ النهاية، صفحة 4555. بتصرّف.
  8. سورة هود، آية:37-38
  9. سورة البقرة، آية:127
  10. سورة الأنبياء، آية:80
  11. سورة سبأ، آية:10-11
  12. حسين بن محمد المهدي، صيد الأفكار في الأدب والأخلاق والحكم والأمثال، صفحة 190. بتصرّف.