ذكر الله -تعالى- المسجد الأقصى في القرآن الكريم بقوله: (سُبحانَ الَّذي أَسرى بِعَبدِهِ لَيلًا مِنَ المَسجِدِ الحَرامِ إِلَى المَسجِدِ الأَقصَى الَّذي بارَكنا حَولَهُ لِنُرِيَهُ مِن آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّميعُ البَصيرُ)،[١] فالمسجد الأقصى القبلة الأولى للمسلمين في صلاتهم قبل مكّة المكرّمة، فقد صلّى النبيّ -عليه الصلاة والسلام- ستة عشر أو سبعة عشر شهراً باتّجاه المسجد الأقصى قبل أن يأمره الله -سبحانه- بالتحوّل إلى الكعبة، وقد ضاعف الله -سبحانه- أجر الصلاة في المسجد الأقصى إلى خمسمئة ضعفٍ، ولكلّ ما سبق حظِيَ المسجد الأقصى بمكانةٍ رفيعةٍ ومنزلةٍ جليلةٍ فكان قدّساً طاهراً طيباً مباركاً.[٢][٣]


تعريف المعراج

يمكن تعريف المعراج في اللغة بأنه المصعد والسلم، فهو اسم آلة على وزن مفعال، مشتق من العروج؛ أي الصعود، لكن لا يعلم ماهيته، لأنه من الأمور الغيبية التي ينبغي أن نؤمن بها، والمعراج اصطلاحاً هو الصعود من المسجد الأقصى إلى سدرة المنتهى ثم إلى السماوات العلى، وقد حدث ذلك في يقظة النبي بجسده وروحه.[٤]


فعندما كان الرسول محمد في مكّة أسرى به الله بقدرته من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى (الإسراء)، ثم صعد به إلى السماء (المعراج) ليرى عظمة الله تعالى وآياته الكبرى، ثمّ عاد عليه الصلاة والسلام في نفس الليلة إلى مكّة المكرمة. فقد قال الله تعالى في سورة النجم: ﴿وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى {13} عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى {14} عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى {15} إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى {16} مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى {17} لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى).[٤]


لماذا عرج بالنبي من المسجد الأقصى؟

أراد الله -سبحانه- أن يعرج بنبيّه محمداً -صلّى الله عليه وسلّم- إلى السماوات العُلى من المسجد الأقصى المبارك لعدّةٍ حكمٍ وغاياتٍ يُذكر منها:[٥]

  • إثارة العجب والاستغراب والدهشة في نفوس المُشركين كيف أنّ محمداً -صلّى الله عليه وسلّم- أسرى من مكّة المكرّمة إلى المسجد الأقصى ثمّ عرج منه إلى السماوات العُلى، فقد دُهشوا من ذلك وطلبوا من الرسول -عليه الصلاة والسلام- أن يصف لهم بيت المقدس بتفاصيله ليصدّقوه.
  • إمامة الرسول -عليه الصلاة والسلام- للأنبياء والرسل -عليهم السلام- في المسجد الأقصى، ليدلّ ذلك على أنّ رسالة محمدٍ خاتمة الرسالات السماوية والناسخة لها، وأنّ دِين الإسلام دِين كلّ البشر، وفي تقديم الأنبياء والرسل -عليهم الصلاة والسلام- أفضل الخَلْق للنبيّ -عليه السلام- ليؤمهم في الصلاة تسليةً ومواساةً له بسبب ما لاقاه من التكذيب والإيذاء بسبب دعوته، وتنشيطاً له للاستمرار فيها.
  • الإشارة إلى وحدة الأديان السماوية ووحدة الغاية التي جاءت بها المتمثلة بعبادة الله وحده وعدم الإشراك به شيئاً، أخرج الإمام البخاري في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ في الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَالْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ، أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ)،[٦] والإشارة أيضاً إلى أنّ دِين الإسلام سينتشر رغم كل محاولات طمسه والقضاء عليه، فمثلما وصل الرسول -عليه السلام- إلى المسجد الأقصى وعرج منه إلى السماوات العليا فستنتشر رسالته ودِينه.
  • الإشارة إلى مكانة المسجد الأقصى الدينية، فقد اختاره الله -تعالى- مكاناً لعروج نبيّه إلى السماوات منه ليبيّن أهميته الدينية ممّا يبعث في نفوس المسلمين الاعتزاز بدِينهم والتمسّك بحقوقهم وعدم التخلّي عنها رغم كلّ الظروف.[٢]
  • تشريف المسجد الأقصى وتعظيمه، فقد نال مكانةً عظيمةً بعد أن اختاره الله -عزّ وجلّ- مكاناً لعروج النبيّ -عليه السلام- منه.[٢]


المراجع

  1. سورة الإسراء، آية:1
  2. ^ أ ب ت سماحة المفتي العام الشيخ عبد الكريم الخصاونة (20/6/2011)، "مكانة المسجد الأقصى في قلوب المسلمين"، دار الإفتاء، اطّلع عليه بتاريخ 18/8/2021. بتصرّف.
  3. د. يوسف كامل إبراهيم (9/6/2007)، "المسجد الأقصى منارة الإسلام"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 18/8/2021. بتصرّف.
  4. ^ أ ب الشيخ ناصر مكارم الشيرازي (20-2-2008)، ".: الإسراء والمعراج :."، هدى القرآن، اطّلع عليه بتاريخ 22-9-2021. بتصرّف.
  5. الشيخ عطية صقر، "لماذا كان المعراج من بيت المقدس ولم يكن من مكة؟ "، إسلام اون لاين، اطّلع عليه بتاريخ 18/8/2021. بتصرّف.
  6. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:3443، صحيح.