معجزات سيدنا يعقوب عليه السلام

من خلال الرجوع إلى النصوص القرآنية الواردة في قصة سيدنا يعقوب -عليه السلام-، نجد أنّ القرآن الكريم لم يُصرّح بمعجزات سيدنا يعقوب -عليه السلام- بصريح العبارة كما في حقّ معجزات الأنبياء الآخرين؛ مثل موسى وعيسى وغيرهما من الأنبياء الصالحين -عليهم الصلاة والسلام جميعاً-.


لذا لم يذكر أحدٌ من أهل العلم معجزات سيدنا يعقوب -عليه السلام- بطريقة مباشرة، أو على نحوٍ مقطوع مجزوم فيه؛ إنّما استدلوا مما أشارت إليه بعض الآيات القرآنية، واجتهدوا في استنباط المعجزات الواردة فيها؛ ونذكر من هذه المعجزات ما يأتي:


التنبؤ بالأحداث قبل وقوعها

قال بعض المفسرين بأنّ سيدنا يعقوب -عليه السلام- كان يعلم ما في النفوس، وما تضمره من الأكاذيب والحجج، ويعلم ما سيكون من الأحداث قبل تحققها؛ حيث رأى -عليه السلام- في منامه أنّ الذئب كان يشدّ على ابنه يوسف -عليه السلام- ويحذّره من أمر ما.[١]


وكان هذا قبل كيد إخوته له، وقبل تعلّلهم بالذئب في موت يوسف -عليه السلام-؛ قال -تعالى- على لسان سيدنا يعقوب -عليه السلام- عندما استأذنه أبناؤه في اصطحابه: (قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ).[٢][١]


وكأنّ سيدنا يعقوب -عليه السلام- في قوله هذا يُقدّم لهم العلّة التي سيتعللون بها في أمر أخيهم؛ وهم لا يدرون عن ذلك شيئاً؛ فكان ذلك تنبيهاً على ما في نفوسهم وإعلام لهم بما قد عزموا عليه؛ ولكنّ بعض أهل العلم ذهبوا إلى القول بأنّ ذكر سيدنا يعقوب -عليه السلام- للذئب تحديداً قد يكون لكثرة انتشاره في ذلك الزمان.[١]


اشتمام رائحة قميص يوسف عليه السلام

ذكرت بعض المصنفات أنّ الله -سبحانه- أجرى على يد يعقوب -عليه السلام- خوارق العادات غير المألوفة؛ بأن جعله يجد ريح ابنه يوسف -عليه السلام- قبل مجيء البشير والقافلة التي فيها خبر يوسف -عليه السلام-؛ قال -تعالى-: (وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ ۖ لَوْلَا أَن تُفَنِّدُونِ).[٣][٤]


قال أهل التفسير بأنّ الريح هاجت، وحملت معها ريح قميص يوسف إلى والده يعقوب -عليهما السلام- وبينهما مسيرة ثمان ليال؛ فيكون اشتمام الرائحة، والإحساس بقرب خبر يوسف -عليه السلام- يحتاج إلى عناية ربانيّة، وتأييد إلهيّ كبير؛ فكان ذلك معجزةً لسيدنا يعقوب -عليه السلام-.[٤]


وقيل إنّ الريح استأذنت الله -سبحانه- أن تأتي سيدنا يعقوب -عليه السلام-، لتبشّره بما يسرّه من خبر يوسف -عليه السلام- قبل أن يأتيه البشير، كما قيل إنّ القميص كان له رائحة الجنّة؛ فلمّا فاح ريحه علم يعقوب -عليه السلام- أنّ ليس على الأرض ريح للجنّة إلا ما كان في ذلك القميص.[٥]


معجزة القميص

تكلّم أهل العلم في مسألة قميص سيدنا يعقوب -عليه السلام- وتوسعوا فيها؛ فقالوا إنّ المعجزة التي تكمن في هذا القميص بأنّه كان قميصاً من الجنّة؛ لا يمسّه صاحب مرض إلا برئ مما هو فيه؛ لذا لما أُلقي على سيدنا يعقوب -عليه السلام- ارتدّ بصيراً؛ قال -تعالى- على لسان يوسف -عليه السلام-: (اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَىٰ وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا...)،[٦] وقال -تعالى-: (فَلَمَّا أَن جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَىٰ وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا...).[٧][٨]


وقيل إنّ معجزة القميص تكمن بأنّ هذا القميص هو ذاته الذي كان يرتديه إبراهيم -عليه السلام- عندما أُلقي في النار، فكساه إسحاق من بعده، وكساه إسحاق يعقوب، ثم كساه يعقوب يوسف -عليهم السلام جميعاً-؛ وقد جعله في تعويذ يوسف من كيد إخوته وهم لا يعلمون.[٨]


الحكمة من معجزات الأنبياء

أيّد الله -سبحانه وتعالى- أنبيائه بخوارق الأمور والعادات؛ التي عجز الأقوام عن الإتيان بمثلها في أي زمن من الأزمان؛ وقد كان إرسال هذه المعجزات والتأييد بها لتكون دليلاً على صدق النبي المرسل من الله -تعالى-، لا سيما أنّ المعجزة تكون عادةً؛ مما برع فيه الناس في ذلك الزمان، وبلغوا فيه غاية العلم؛ فإذا جاءهم ما يُعجزهم عن الإتيان بمثله، صدّقوا النبي، وأذعنوا إلى أمره، وسلّموا بصدق دعوته.[٩]


كما أنّ المعجزات خير دليل على وجود الخالق الموجِد؛ إذ إنّ الذي يقدر على تغيير نظام الكون، وتعطيل ما ألفه الناس، وخرق ما يستبعدونه؛ يدلّ على عظمة الإله الذي يُسيّر هذا الكون بما فيه، ويُؤيد بقدرته من يشاء ممن فيه.[٩]

المراجع

  1. ^ أ ب ت سبط ابن الجوزي، مرآة الزمان في تواريخ الأعيان، صفحة 477، جزء 1. بتصرّف.
  2. سورة يوسف، آية:13
  3. سورة يوسف، آية:94
  4. ^ أ ب وهبة الزحيلي، التفسير المنير، صفحة 65، جزء 13. بتصرّف.
  5. ابن عادل، اللباب في علوم الكتاب، صفحة 208، جزء 11. بتصرّف.
  6. سورة يوسف، آية:93
  7. سورة يوسف، آية:96
  8. ^ أ ب أبو القاسم الكرماني، لباب التفاسير، صفحة 882. بتصرّف.
  9. ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، موسوعة المفاهيم الإسلامية العامة، صفحة 612. بتصرّف.