ذكر القرآن الكريم مواقف كثيرةً من حياة نبيّ الله إبراهيم -عليه السلام- في مواطن عدَّةٍ منه، ومن هذه المواقف قصّته مع ضيفه من الملائكة الذين جاؤوه على هيئة رجالٍ؛ فاستضافهم عنده، وبلغ من إكرامه لهم أن ذبح لهم عجلًا سمينًا، وطبخه وقدّمه لهم،[١] وفيما يأتي تفصيل قصّة نبي الله إبراهيم مع ضيفه.


قصّة ذبح إبراهيم لضيوفه

من هم ضيف إبراهيم؟

كان ضيوف إبراهيم -عليه السلام- الذين حضروا عنده من الملائكة، ونُقل عن بعض أهل التفسير بأنّهم ثلاثٌ من الملائكة، وهم: جبريل وميكائيل وإسرافيل،[١] ومن العلماء من قال إنّ عددهم بين ثلاثة واثني عشر ملكًا، وكانوا حي أتوه على هيئة رجالٍ لا بهيئتهم الملائكيّة،[٢] قال تعالى: (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ)،[٣] وقد وصفهم الله -تعالى- بأنّهم مكرمون؛ تكريمًا من الله -تعالى- للملائكة بوصفه لهم بأنّهم كرام، وقيل إنّ الله -تعالى- وصفهم بالمكرمين؛ لأنّ إبراهيم -عليه السلام- أكرمهم.[٤]


ماذا قدّم إبراهيم لضيوفه؟

ما أن دخل ضيف إبراهيم -عليه السلام- إليه، وألقوا السلام عليه وردّه عليهم، حتّى سارع إبراهيم -عليه السلام- وأحضر لهم عجلًا وصفته الآيات الكريمة بأنّه سمينٌ، كما جاء في قول الله -تعالى-: (إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ* فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ)،[٥] كما وصف العجل بأنّه "حنيذٌ" في قوله تعالى: (وَلَقَد جاءَت رُسُلُنا إِبراهيمَ بِالبُشرى قالوا سَلامًا قالَ سَلامٌ فَما لَبِثَ أَن جاءَ بِعِجلٍ حَنيذٍ)؛[٦] أي عجلٌ مشويٌّ.[٢]


بشارة ضيف إبراهيم له ولزوجته

بشّر الضيوف من الملائكة إبراهيمَ -عليه السلام- وزوجته سارة بأنّ الله -تعالى- سيرزقهم بإسحاق ومن بعده يعقوب، وتعجّبت سارة من ذلك؛ لأنّها عقيمٌ لا تُنجب، وإبراهيم -عليه السلام- شيخٌ كبيرٌ تقدّم به السنّ، إلّا أنّ الملائكة أجابوها بأنّ الله -تعالى- قادرٌ على فعل ما يريد، قال تعالى: (وَامرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَت فَبَشَّرناها بِإِسحاقَ وَمِن وَراءِ إِسحاقَ يَعقوبَ* قالَت يا وَيلَتى أَأَلِدُ وَأَنا عَجوزٌ وَهـذا بَعلي شَيخًا إِنَّ هـذا لَشَيءٌ عَجيبٌ* قالوا أَتَعجَبينَ مِن أَمرِ اللَّـهِ رَحمَتُ اللَّـهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيكُم أَهلَ البَيتِ إِنَّهُ حَميدٌ مَجيدٌ).[٧][٢]


سبب زيارة ضيف إبراهيم

ذكر الملائكة ضيوف إبراهيم -عليه السلام- له -بعد أن بشّروه- أنّهم جاؤوا مرسلين إلى قوم لوط؛ حيث أراد الله -تعالى- أن يبتليهم ويختبرهم، بعد أن عصوا أمر نبيّه لوط -عليه السلام-، وأصرّوا على ما هم عليه من الفاحشة؛ بإتيانهم الذكور دون الإناث، فلمّا قدم الملائكة على لوطٍ -عليه السلام- على هيئة رجالٍ جميلين؛ أقبل عليهم قومه، وحاول لوط نصحهم وردّهم، وطمأنته الملائكة أنّهم مرسلون من الله -تعالى- ولن يقدر قومه على الوصول إليهم، وطلبوا منه مغادرة القرية هو ومن آمن معه؛ لأنّ عذاب الله -تعالى- سيحلّ على قومه الفاسقين.[٨]


الدروس المستفادة من قصة ضيف إبراهيم

اشتملت قصّة إبراهيم -عليه السلام- مع ضيفه من الملائكة على عبرٍ ودروسٍ عدَّةٍ، يحسن بالمسلم أن يستفيد منها ويعمل بها، ومن هذه الدروس ما يأتي:[٤]

  • ردّ التحيّة بأحسن منها: فقد ردّ إبراهيم -عليه السلام- على ضيفه التحيّة، وكان ردّه على تحيّتهم بقوله: (سلامٌ)؛ فهي جملةٌ إسميَّةٌ، والجملة الإسميّة فيها دلالةٌ على الدوام والثبوت، أي أنّه بردّه قصد أن يدوم عليهم السلام.
  • المسارعة في إكرام الضيف: فرغم أنّ إبراهيم -عليه السلام- لم يكن يعرف ضيوفه أو يرهم من قبل، إلّا أنّه بمجرد دخولهم عليه، سارع في تجهيز غداءٍ لهم.
  • تعاون أهل البيت واستعدادهم: ويظهر ذلك جليًًّا في أنّ إبراهيم -عليه السلام- دخل إلى بيت عند حضور ضيفه، وسريعًا عاد لهم بطعامٍ مطبوخٍ؛ في دلالةٍ على جاهزيّة أهل بيته وحرصهم على التعاون، ورغبتهم في إكرام الضيف.[٩]

المراجع

  1. ^ أ ب ابن بطال، شرح صحيح البخاري، صفحة 311. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت وهبة الزحيلي، التفسير الوسيط، صفحة 1225-1229. بتصرّف.
  3. سورة الذاريات، آية:24
  4. ^ أ ب محمد صالح المنجد، سلسلة الآداب، صفحة 6-. بتصرّف.
  5. سورة الذاريات، آية:25-26
  6. سورة هود، آية:69
  7. سورة هود، آية:71-73
  8. أحمد أحمد غلوش، دعوة الرسل عليهم السلام، صفحة 152-153. بتصرّف.
  9. د. أمين بن عبدالله الشقاوي (2/7/2018)، "فوائد من قصة نبي الله وخليل الرحمن إبراهيم عليه السلام"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 24/7/2022. بتصرّف.