أورد الله -سبحانه وتعالى- قصّة ويسف -عليه السلام- وإخوته مفصَّلةً في القرآن الكريم من سورة يوسف؛ حيث تناولت السورة أحداثًا من قصَّة يوسف -عليه السلام- وحياته، بما في ذلك علاقته بإخوته وموقفهم به، وبدأت السورة برؤيا يوسف -عليه السلام- وختتمت بتحقّق الرؤيا التي تمثّلت بسجود إخوته له، وفيما يأتي ذكرٌ لأقوال العلماء في كيفيَّة سجود إخوة يوسف له، وسبب سجودهم، وأبرز الدروس المستفادة من قصَّة يوسف وإخوته.


كيفيَّة سجود إخوة يوسف له

لم تستطرد التفاسير في ذكر كيفيَّة وهيئة سجود إخوة يوسف له، وممّا ورد في كيفيَّة سجود إخوة يوسف وأبويه له؛ أنّه بعد أن أصبح يوسف -عليه السلام- عزيز مصر، وجلس على عرشها، أكرمه الله -تعالى- بأن جمعه بأهله وإخوته بعد افتراقه عنهم لسنواتٍ، وحين التقى بهم؛ رفع يوسف -عليه السلام- أبويه؛ أي والده يعقوب -عليه السلام- وأمّه وقيل هي خالته؛ فسجدوا له جميعًا، والمراد بالسجود الانحناء؛ فانحنى والداه وإخوته الأحد عشر له، وهو انحناء تحيَّةٍ وتكريمٍ -كما يقول العلماء- لا سجود عبادةٍ؛[١] لأنّ سجود العبادة لا يكون إلّا لله وحده، قال الله -تعالى- في سجود إخوة يوسف وأهله له: (فَلَمّا دَخَلوا عَلى يوسُفَ آوى إِلَيهِ أَبَوَيهِ وَقالَ ادخُلوا مِصرَ إِن شاءَ اللَّـهُ آمِنينَ* وَرَفَعَ أَبَوَيهِ عَلَى العَرشِ وَخَرّوا لَهُ سُجَّدًا)،[٢] وممّا يؤيّد هذا المعنى، أنّ السجود في اللغة يأتي بمعى طأطأة الرأس -أي خفضه- وانحناء الجسم.[٣]


وممّا قيل في كيفيَّة السجود إنّ المراد به هو السجود المعروف على الأرض، حيث كان في شرعهم مقبولًا جائزًا، وجاريًا مجرى التكريم والتحيَّة، كالقيام والمصافحة ونحوها، وليس المراد به التعظيم المخصوص لله -تعالى- وحده، وممّا قيل كذلك إنّهم سجدوا أمام يوسف -عليه السلام- إلّا أنّ سجودهم لم يكن القصد منه يوسف، إنّما كان سجودهم لله؛ قاصدين شكره تعالى.[٤]


سبب سجود إخوة يوسف له

كان سجود إخوة يوسف له؛ تحقيقًا وتأويلًا للرؤيا التي أراها الله -سبحانه وتعالى- ليوسف -عليه السلام- قبل كيد إخوته لها، وتمثّلت في قول الله -تعالى- على لسان يوسف: (إِذ قالَ يوسُفُ لِأَبيهِ يا أَبَتِ إِنّي رَأَيتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوكَبًا وَالشَّمسَ وَالقَمَرَ رَأَيتُهُم لي ساجِدينَ)،[٥] وكان يعقوب والد يوسف- عليهما السلام- قد نهاه عن إخبار إخوته بالرؤيا التي رآها؛ خشيةً من أن يكيدوا له، ويؤذوه، وقد كان إخوة يوسف يغتاظون منه؛ لأنّه كان أحبّهم إلى أبيهم وأقربهم إليه، وهذا ما دفعهم ليكيدوا له ويلقوه في البئر، إلى أن مرّت السنين، وأصبح يوسف بعدها عزيز مصر، واجتمع بإخوته وأهله؛ فسجدوا له، وتحقّقت رؤيا يوسف -عليه السلام- بسجودهم له كما جاء في قول الله -تعالى- على لسانه: (وَقالَ يا أَبَتِ هـذا تَأويلُ رُؤيايَ مِن قَبلُ قَد جَعَلَها رَبّي حَقًّا).[٦][٧]


الدروس المستفادة من قصّة يوسف وإخوته

إنّ قصّة يوسف -عليه السلام- بكلّ أحداثها مليئةٌ بالدروس والعبر، ولعلّ من أبرز الدروس والعبر المستفادة من قصّته مع إخوته؛ ضرورة العدل بين الأبناء، والتسوية بينهم في المعاملة، وذلك أنّ الإخوة قد يكون بينهم شيءٌ من الشعور بالضغينة والحقد الذي قد يدفع إلى المكر والإيذاء، كما مكر إخوة يوسف وكادوا له وألقوه في البئر،[١] وفي قصة يوسف إرشادٌ إلى ضرورة كتمان الإنسان لأموره وأسراره عمّن قد يكيد له، وضرورة الصبر على الابتلاءات واليقين بأنّ الله -سبحانه وتعالى- سيخرجه منها.[٨]

المراجع

  1. ^ أ ب وهبة الزحيلي، التفسير المنير، صفحة 195-199. بتصرّف.
  2. سورة يوسف، آية:99-100
  3. "معنى السجود"، معجم المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 14/8/2022. بتصرّف.
  4. الزمخشري، تفسير الزمخشري، صفحة 506. بتصرّف.
  5. سورة يوسف، آية:4
  6. سورة يوسف، آية:100
  7. أحمد أحمد غلوش، دعوة الرسل عليهم السلام، صفحة 191-195. بتصرّف.
  8. أ. د. عبدالله بن محمد الطيار (10/8/2010)، "دروس وعبر من قصة يوسف عليه السلام"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 14/8/2022. بتصرّف.