خصّ الله -تعالى- شهر رمضان بأن أنزل فيه القرآن الكريم، وشرع فيه عبادة الصيام كما جاء في قوله -تعالى-: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)،[١] ويُقصد بالصيام: إمساك المكلّف القادر بنيّةٍ عن الطعام والشراب وسائر المفطرات من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس، والغاية من الصيام تحقيق تقوى الله -تعالى- كما في قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).[٢][٣]


كم رمضان صام النبي محمد؟

أجمع العلماء على أنّ فرض الله -تعالى- لصيام رمضان كان في شهر شعبان من السنة الثانية للهجرة، وهم مجمعون كذلك على أنّ النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- صام تسع رمضاناتٍ؛ فمنذ بداية فرض رمضان في السنة الثانية حتّى وفاته -عليه الصّلاة والسّلام- في شهر ربيع الأول من السنة الحادية عشرة للهجرة مرّ تسع رمضانات،[٤][٥] وقد كان النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- يستزيد من العبادات والطاعات في شهر رمضان أكثر من غيره، فيكثر من تلاوة القرآن والصلاة والذكر، وكان يقوم الليل بإحدى عشرة ركعةً، وكان أكثر عطاءً وبذلًا في رمضان، وشاهد ذلك ما رواه عنه عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- بقوله: (كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أجْوَدَ النَّاسِ، وأَجْوَدُ ما يَكونُ في رَمَضَانَ، حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وكانَ جِبْرِيلُ عليه السَّلَامُ يَلْقَاهُ في كُلِّ لَيْلَةٍ مِن رَمَضَانَ، فيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أجْوَدُ بالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ)،[٦] وكان النبي يعتكف في العشر الأواخر من رمضان في مسجده، ويزيد فيها من الطاعات أكثر، ووصفت أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- حال النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- في العشر الأواخر بقولها: (كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا دَخَلَ العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وأَحْيَا لَيْلَهُ، وأَيْقَظَ أهْلَهُ).[٧][٨]


لماذا فرض الله الصيام على النبي محمد؟

إنّ من فضل الصيام وعظم قدره عند الله -تعالى- أنّه أضافه لنفسه كما جاء في الحديث الشريف: (وَالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِن رِيحِ المِسْكِ، يَتْرُكُ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ وشَهْوَتَهُ مِن أجْلِي الصِّيَامُ لِي، وأَنَا أجْزِي به والحَسَنَةُ بعَشْرِ أمْثَالِهَا)،[٩] كما أنّ الصائم يكرمه الله -تعالى- بفرحتين كما رُوي عن النبيّ عليه الصّلاة والسّلام: (لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إذَا أفْطَرَ فَرِحَ، وإذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بصَوْمِهِ)،[١٠] كما أنّ في صيام رمضان وقيام ليلة القدر فيه احتساباً لوجه الله -تعالى- مغفرةً للذنوب وتكفيرًا لها كما روي عن النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- قوله: (مَن صامَ رَمَضانَ إيمانًا واحْتِسابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ، ومَن قامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمانًا واحْتِسابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ)،[١١] وللصيام فضائل كثيرةٌ تعود على المسلم في دنياه وآخرته؛ ففيه تزكيةٌ للنفس وتطهيرٌ لها، وهو سبيلٌ لتزهد النفس في الدنيا وتتخفّف من ملاذها وشهواتها.[١٢][١٣]


المراجع

  1. سورة البقرة، آية:185
  2. سورة البقرة، آية:183
  3. سعيد بن وهب القحطاني، الصيام في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة، صفحة 8-10. بتصرّف.
  4. النووي، المجموع شرح المهذب، صفحة 250. بتصرّف.
  5. المرداوي، الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، صفحة 269. بتصرّف.
  6. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:3554، صحيح.
  7. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:2024، صحيح.
  8. "عبادة الرسول صلى الله عليه وسلم لربه في رمضان"، إسلام ويب، 27/11/2000، اطّلع عليه بتاريخ 29/08/2021. بتصرّف.
  9. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:1894، صحيح.
  10. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:1904، صحيح.
  11. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:2014، صحيح.
  12. سيد حسين العفاني، نداء الريان في فقه الصوم وفضل رمضان، صفحة 28-31. بتصرّف.
  13. مجموعة من المؤلفين، الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة، صفحة 151. بتصرّف.