نبيّ الله إبراهيم عليه السّلام

هو نبيّ الله إبراهيم بن تارخ بن ناحور بن ساروغ بن راغو بن فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوحٍ عليه السّلام،[١] وهو من أولي العزم من الرسل -عليهم السّلام- ولقبه أبو الأنبياء، وكان والده آزر نجّارًا ينحت ويصنع الأصنام ويعبدها ويتاجر فيها وقومه كذلك كانوا عبدةً للأصنام، لكنّ إبراهيم -عليه السّلام- كان صاحب رشدٍ وعقلٍ سديدٍ؛ فكان دائم التشكيك والمجادلة لقومه بعدم صحة وجدوى عبادة الأصنام؛ لكونها لا تضرّ ولا تنفع، إلى أن كلّفه الله تعالى بالدعوة وبعثه رسولًا في قومه عند بلوغه الأربعين، واستمر يدعوهم؛ فلمّا لم يستجيبوا له هاجر مع زوجته سارة وابن أخيه لوط عليه السّلام- إلى مصر ثمّ انتقل إلى الشام وتزوّج من هاجر وأنجب نبي الله إسماعيل -عليه السلام- ومنه تناسلت العرب.[٢]


قصّة إبراهيم عليه السّلام

بحث إبراهيم عن الحقّ

كان إيمان إبراهيم -عليه السّلام- قائمًا على يقين راسخٍ، ودلّل على صدق إيمانه وصحّة ما يدعو إليه في مخاطبته لأبيه وقومه؛ ومن ذلك أنّه جادلهم ليثبت لهم خطأ معتقدهم وما يعبدون من دون الله، فانتظر حلول الظلام، وشاهد كوكبًا فقال: هذا إلهٌ، فلمّا غاب الكوكب وزال أكّد لقومه أنّه ليس بإله لأنّ الإله لا يغيب، ثمّ رأى القمر وغاب كذلك فأكّد أنّه ليس إلهً، وكذلك الشمس حين رآها ثمّ غابت؛ فبيّن لقومه فساد معتقدهم بعبادة ما يزول، وأعلن براءته مما يعبدون من دون الله، قال الله تعالى: "فَلَمّا جَنَّ عَلَيهِ اللَّيلُ رَأى كَوكَبًا قالَ هـذا رَبّي فَلَمّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الآفِلينَ* فَلَمّا رَأَى القَمَرَ بازِغًا قالَ هـذا رَبّي فَلَمّا أَفَلَ قالَ لَئِن لَم يَهدِني رَبّي لَأَكونَنَّ مِنَ القَومِ الضّالّينَ* فَلَمّا رَأَى الشَّمسَ بازِغَةً قالَ هـذا رَبّي هـذا أَكبَرُ فَلَمّا أَفَلَت قالَ يا قَومِ إِنّي بَريءٌ مِمّا تُشرِكونَ* إِنّي وَجَّهتُ وَجهِيَ لِلَّذي فَطَرَ السَّماواتِ وَالأَرضَ حَنيفًا وَما أَنا مِنَ المُشرِكينَ".[٣][٤]


محاججة إبراهيم للنمرود

وهو الملك الذي كان في زمن إبراهيم عليه السّلام، وكان متجبّرًا يدعي الألوهيّة؛ فحاجج إبراهيم -عليه السّلام- النمرود وأبان ضعف وكذب حجّته، قال الله تعالى: "ألمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّـهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّـهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ".[٥][٦]


تحطيم إبراهيم للأصنام

أراد إبراهيم -عليه السّلام- أن يبيّن لقومه سذاجة ما يعتقدون من أنّ الأصنام آلهةٌ، ويبيّن لهم أنّها لا تضرّ ولا تنفع؛ فقام بتحطيم أصنام قومه أثناء غيابهم بفأسٍ، ثم ترك الفأس معلّقًا على أكبر الأصنام؛ حتى يُثبت لهم خطأ معتقدهم، فلما رجعوا حاججهم كما جاء في قول الله تعالى: "قالوا أَأَنتَ فَعَلتَ هـذا بِآلِهَتِنا يا إِبراهيمُ* قالَ بَل فَعَلَهُ كَبيرُهُم هـذا فَاسأَلوهُم إِن كانوا يَنطِقونَ"،[٧] وتبيّن لهم عجزهم لكنّهم أصروا على الكفر والضلال؛ فأرادوا حرق إبراهيم -عليه السّلام- وأوقدوا النار لحرقه، إلّا أنّ الله تعالى جعلها عليه بردًا وسلامًا؛ فلم تؤذه، كما جاء في قوله تعالى: "قالوا حَرِّقوهُ وَانصُروا آلِهَتَكُم إِن كُنتُم فاعِلينَ* قُلنا يا نارُ كوني بَردًا وَسَلامًا عَلى إِبراهيمَ* وَأَرادوا بِهِ كَيدًا فَجَعَلناهُمُ الأَخسَرينَ".[٨][٦]


قصة إبراهيم وزوجته هاجر

خرج إبراهيم من مصر برفقة زوجته سارة ولوط بعد أن حاول ملك مصر المتجبّر النيل من سارة؛ فسلّمها الله منه، واتجهوا نحو أرض الشام، وكانت سارة عاقرًا لا ولد لها، وهبت خادمتها هاجر لزوجها إبراهيم عليه السّلام، فرُزق إبراهيم من هاجر بولده إسماعيل، وغارت سارة من هاجر ومن حبّ إبراهيم لولده إسماعيل؛ فأوحى الله تعالى إلى إبراهيم أن يهاجر بهاجر وإسماعيل إلى مكّة ففعل، وكانت مكّة في ذلك الوقت خاوية لا ماء فيها ولا يسكنها أحد، ولمّا وصولها ترك إبراهيم زوجته وابنه وأراد المغادرة؛ فسألته هاجر كيف يتركها هي وابنها في مكانٍ منقطعٍ كهذا، وليس معهما إلا تمرٌ وسقاءٌ فيه ماء، فلم يجب إبراهيم -عليه السّلام- فأدركت هاجر أنّ هذا أمرٌ من الله، وسألته: أالله أمرك بهذا؟ فأجاب إبراهيم: نعم، فما كان من هاجر إلا أن سلّّمت؛ إيمانًا بأنّ الله لن يضيّعهم، وكان إسماعيل حينها رضيعًا، وتضرّع إبراهيم إلى الله تعالى طالبًا أن يرزق زوجته هاجر وابنه كما جاء في قوله تعالى: "رَبَّنا إِنّي أَسكَنتُ مِن ذُرِّيَّتي بِوادٍ غَيرِ ذي زَرعٍ عِندَ بَيتِكَ المُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقيمُوا الصَّلاةَ فَاجعَل أَفئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهوي إِلَيهِم وَارزُقهُم مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُم يَشكُرونَ"،[٩] وأخذت هاجر تسعى بين الصفا والمروة ذهابًا وإيابًا ترقب قدوم أحدٍ؛ فما كان إلا أن فجّر الله تعالى من الأرض عين ماء زمزم، وأخذ الناس بعدها بالورود إليها.[١٠][١١]


رؤيا إبراهيم عليه السّلام

رؤيا الأنبياء وحيٌ من الله،[١٢] وقد رأى إبراهيم في منامه أنّه يذبح ابنه إسماعيل عليهما السّلام، فأخبر إبراهيم إسماعيل بما رآه، فما كان من إسماعيل إلا أن سلّم لأمر الله كما جاء في قوله تعالى: "فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّـهُ مِنَ الصَّابِرِينَ"،[١٣] ولكن الله تعالى افتدى إسماعيل بكبشٍ عظيمٍ جزاء تسليمه وأبيه لأمره، قال الله تعالى: "وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ".[١٤][١٥]


إبراهيم وبناء الكعبة

عاد إبراهيم -عليه السّلام- إلى مكّة لرؤية ابنه إسماعيل بعد مدّةٍ، فأمره الله تعالى بأن يرفع قواعد الكعبة ويطهّره بمساندة ابنه إسماعيل، قال تعالى: "وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ"،[١٦] فجمعا الأحجار وبنيا الكعبة البيت الحرام، وهما يسألان الله القبول كما في قول الله تعالى: "وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ"،[١٧] وبعد أن فرغا من بنائها أمر الله تعالى إبراهيم أن ينادي في الناس للحج إلى الكعبة بيت الله الحرام كما في قوله تعالى: "وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ"،[١٨] واعتُبر الحجر الذي وقف عليه إبراهيم أثناء بنائه للكعبة المشرّفةٍ مقامًا له، ويعرف باسم مقام إبراهيم.[١٩]


معجزات إبراهيم عليه السّلام

ذكر القرآن الكريم معجزاتٍ حدثت لإبراهيم -عليه السّلام- تمثّلت في الآتي:[٢٠]

  • إعادة الروح في أربعة طيور ذبحها وقطّعها وفرقها على الجبال بإذن الله، وذلك بعد أن أمره الله بذلك حين سأله إبراهيم عن كيف يحيي الموتى، فنادى إبراهيم على الطير بعد ذبحها وتفريقها؛ فأتته بأمر الله مجتمعةً حيّةً.
  • تخلّف النار عن خاصيّة الإحراق فيها، وغدوّها بردًا وسلامًا على إبراهيم -عليه السّلام- بعد أن وضعه قومه في النار وأرادوا إحراقه وولكنّ الله تعالى سلّمه.


صفات إبراهيم في القرآن الكريم

جاءت آياتٌ في القرآن الكريم على ذكر صفاتٍ وخصال لإبراهيم عليه السّلام، منها:[٢١]

  • القدوة والمعلّم؛ وتتمثّل هذه الخصلة في إبراهيم بوصف الله تعالى له بأنّه كان أمّةً.
  • الصدق؛ حيث قال عنه الله تعالى "وَاذكُر فِي الكِتابِ إِبراهيمَ إِنَّهُ كانَ صِدّيقًا نَبِيًّا".[٢٢]
  • الوفاء؛ كما قال الله تعالى عنه: "وَاذكُر فِي الكِتابِ إِبراهيمَ إِنَّهُ كانَ صِدّيقًا نَبِيًّا".[٢٣]
  • الكرم؛ ويؤكّد هذه الخصلة في إبراهيم -عليه السّلام- موقفه عند قدوم الملائكة على هيئة بشرٍ ضيوفًا إليه؛ فما كان منه -عليه السّلام- إلا أن أحضر لهم عجلًا مشويًّا طعامًا لهم، كما في قوله تعالى: "وَلَقَد جاءَت رُسُلُنا إِبراهيمَ بِالبُشرى قالوا سَلامًا قالَ سَلامٌ فَما لَبِثَ أَن جاءَ بِعِجلٍ حَنيذٍ".[٢٤]


المراجع

  1. ابن كثير، البداية والنهاية، صفحة 324.
  2. أحمد أحمد غلوش، دعوة الرسل عليهم السلام، صفحة 107-109. بتصرّف.
  3. سورة الأنعام، آية:76-79
  4. عبد الرحمن السعدي، تفسير السعدي، صفحة 262. بتصرّف.
  5. سورة البقرة، آية:258
  6. ^ أ ب أحمد معمور العسيري، موجز التاريخ الإسلامي من عهد آدم إلى عصرنا الحاضر، صفحة 17. بتصرّف.
  7. سورة الأنبياء، آية:62-63
  8. سورة الأنبياء، آية:68-70
  9. سورة إبراهيم، آية:37
  10. ابن كثير، قصص الأنبياء، صفحة 191-195. بتصرّف.
  11. "إبراهيم وهاجر وولدهما إسماعيل عليه السلام"، طريق الإسلام، 03-04-2014، اطّلع عليه بتاريخ 13-8-2021. بتصرّف.
  12. "رؤيا الأنبياء عليهم السلام وحي"، إسلام ويب، 29-12-2010، اطّلع عليه بتاريخ 13-08-2021.
  13. سورة الصافات، آية:102
  14. سورة الصافات، آية:107
  15. أحمد أحمد غلوش، دعوة الرسل عليه السلام، صفحة 175. بتصرّف.
  16. سورة البقرة، آية:125
  17. سورة البقرة، آية:127
  18. سورة الحج، آية:27
  19. "إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام وبناء البيت العتيق"، طريق الإسلام، 04-04-2014، اطّلع عليه بتاريخ 13-08-2021. بتصرّف.
  20. عمر الأشقر، الرسل والرسالات، صفحة 127. بتصرّف.
  21. حسام العيسوي إبراهيم (23-01-2013)، "الصفات التي اتصف بها إبراهيم الخليل عليه السلام"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 13-08-2021. بتصرّف.
  22. سورة مريم، آية:41
  23. سورة النجم، آية:37
  24. سورة هود، آية:69